استراح الغيورون على دينهم بعد سجن الباحث الشاب إسلام بحيري قبل نهاية عام 2015 بساعات قليلة ليستقبلوا العام الجديد بدون إسلام الذي ازدرى عقيدتهم.. الحمد لله الإسلام أصبح بخير بعد سجن إسلام ولم يعد بساحاته من الدعاة والعلماء إلا من نطمئن لسلامة عقيدتهم ونبل إيمانهم.. فليسقط إسلام بحيرى خلف جدران زنزانته وليمرح في فضاء الإسلام ياسر برهامي وأبوإسحاق الحويني وعبدالمنعم الشحات.. ليموت إسلام كمداً وليفرح الفاسدون واللصوص الذين لم يقاضهم غيور بتهمة نهب الأوطان.. فليسقط من يجتهد ويفكر ويغل لسانه وقلمه وليستمر المخرفون والمتخلفون وأعداء الحياة يلعبون نفس الدور ويقبضون نفس الثمن.
قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام لم يهدم الإسلام أبو جهل وأعوانه ممن كادوا لرسولنا الكريم ونجا من الاغتيال والقتل وبعد أن دانت له الأمور وعاد إلى مكة فاتحاً منتصراً عفا عنهم جميعاً ولم يجبرهم على دخول الدين الجديد.. لم يسجنهم ولم يتهمهم بازدراء الإسلام وإهانته.. لم يحكم بإعدام كل من تورط في قتل عمه حمزة بن عبدالمطلب وأكل كبده.. لم ينتقم ممن تلاسنوا على زوجته وحبيبته عائشة رضي الله عنها.. فقط قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ولم يقل تعالوا فأنتم السجناء.
وبعد ما يقارب الخمسة عشر قرناً من حياة رسولنا الكريم وعدد سكان مصر 90 مليوناً والمسلمين في العالم مليار وربع المليار، نسجن إسلام البحيري ونقطع لسانه لأنه خطر على الدين والعقيدة.. لو أن زنزانة إسلام زامله فيها المخرفون والجهلة والكارهون للعصر وعلومه والكارهون لكلمة «مصر مدنية» ربما كنا صبرنا على موجة كراهية الحرية والإصرار على اعتقالها ووأدها وإقصاء من يتساءل «بأي ذنب قتلت».. التأثير على سير عمليات التقاضي أثناء نظر قضية ما بالقول أو الكتابة غير مقبول.
أما الآن وما دام إسلام صدر بشأنه حكم بات بالسجن لمدة عام فاسمحوا لنا بمخاطبة السيد وزير الثقافة حلمي النمنم وهو مثقف فاضل وحر.. كنت أتمنى أن تتجاسر وتعلق على سجن باحث شاب ولو بجملة قصيرة «تخزي بها العين» تعبر بها عن أسفك للحكم وتعتبره اغتيالاً لحرية الفكر والتعبير.. لماذا لم تنطق بكلمة وأنت وزير الثقافة والمثقفين.. أنت الوزير المسئول عن حماية حرية الفكر والدفاع عن كل ألوان الطيف الثقافي.. لماذا لم تفعلها وتدخل التاريخ وتستقيل احتجاجاً على اغتيال حرية البحث والتفكير بدلاً من أن تخرج من التاريخ بصمتك.. لماذا لم تخرج للعامة وتقول لهم إن إسلام تلميذ مجتهد في جامعة محمد عبده وطه حسين وعلى عبدالرازق ونصر أبوزيد ويوسف زيدان.. مجرد تلميذ ومن يحكم بقطع لسانه لمدة عام فعليه أن يحكم بأثر رجعي على أساتذته وننبش قبورهم ونمثل بجثثهم لأنهم ارتكبوا أبشع جريمة في التاريخ الإسلامي وهي جريمة التفكير الحر.
المسألة ليست حرية إسلام بحيري ولكنها حرية جيل وحقه في أن يفكر تفكيراً حراً.. المسألة ليست في حالة إسلام ولكنها في حالة مصر بعد ثورتين أن يكون نصيب من يفكر ويتفاءل بالمستقبل أن يسجن ويصمت.. المسألة ليست في إسلام ولكن في المتأسلمين المتاجرين في كل عصر بالأديان والأوطان.. المسألة ليست فيما قال وجهر به إسلام من رأي في بعض من نقلوا لنا تراثنا قبل أكثر من ألف عام.. المشكلة في أننا نحكم على مصر لألف عام قادمة بالموت خرساً وجموداً.. كيف نلحق بعصر يقوم على العلم والبحث ونحن نجرم التفكير مجرد التفكير.. كيف نلحق بالعصر وعلومه ونحن في بلد من حقك أن تخرف وتدلس وتكافأ بدخول مجلس النواب وحين تفكر وتبحث وتجتهد يكون بانتظارك وحوش الظلام التي تتهمك بازدراء الأديان ويتمطع المعممون بمناظرتك تليفزيونياً تمهيداً لمثولك لمحاكمة عاجلة تسجنك خمس سنوات ثم يرق قلب القانون فيسجنك عاماً على اعتبار أنها أول مرة يتم ضبطك تفكر، أما لو تكررت محاولات تفكيرك فبالتأكيد قد يكتب لك عقد دائم وممتد يفرض عليك الخرس خلف جدران زنزاتك مدى الحياة.
وعلى ما يبدو فإن أحوالنا مع مطلع عام جديد تجعل من يعشقون الحرية والفكر والبحث يرددون بكائية شاعر نكبه عقله وعشقه للحرية فقال.. يا موت ها أنا ذا فخذ ما أبقت الأيام مني - بيني وبينك خطوة إن تخطها فرجت عني.. يا أولي الأمر في بلدنا – امنحونا أمل الحرية ومتعة أن نفكر ونبحث، وثقوا أن إرهاب العقل أخطر على مصر وعليكم ألف مرة من إرهاب داعش وبيت المقدس والإخوان.. إرهاب العقل يقتل أجيالاً ويهدم أوطاناً ويحول الحياة إلى مجرد جسر ينقلنا إلى عالم مجهول.