الوطن
د. محمود خليل
«جحا» أولى بالمجلس
بعد جدل كبير وأخذ ورد ولقاءات مع الرئيس ثبت أن المستشار عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، لم يكن يحبذ بالفعل التعيين بمجلس النواب، كما أكد لى فى مكالمة تليفونية تمت بينى وبينه، وقد كانت وجهة نظر البعض أن «منصور» هو الشخص الأنسب لرئاسة المجلس لو أراد أعضاؤه ذلك وانتخبوه، ومن بعده انتقل الكلام إلى المستشار سرى صيام، الذى جاء ضمن قائمة المعينين بـ«النواب» بقرار من رئيس الجمهورية، وقد أكد منذ اللحظة الأولى لصدور قرار التعيين أنه لن يترشح لرئاسة أو وكالة «النواب»، مشيراً إلى أن أحد المنتخبين أولى برئاسة مجلس النواب.

السبب المعلن الذى ساقه المستشاران فى سياق رفض التعيين أو الترشح لرئاسة المجلس، يرتبط بوجود نوع من الحرج فى ترؤس مجلس يوجد به نحو 568 عضواً منتخباً، أولى بأحدهم أن يترشح ويترأس المجلس. وهو سبب له وجاهته ولا شك، لكن يخفف من حدته بعض الشىء النظر إلى ما عايناه جميعاً من تدنى نسبة المشاركة فى الانتخابات، وسطوع دور المال السياسى فى تعبئة الأصوات داخل الصناديق للوصول إلى مقعد فى المجلس الموقر، وبالتالى فوضع المنتخبين الذين يمثلون الشعب لا يمنحهم ميزة كبرى على المعينين، فى كل الأحوال لا أظن أن الحرج من ترؤس عضو «نواب» معين للأعضاء المنتخبين، هو السبب الوحيد لرفض الجلوس على مقعد رئاسة المجلس، وربما كانت هناك أسباب أخرى وراء هذا التوجه.

قد يكون من بين الأسباب عدم الاطمئنان إلى التركيبة الحالية التى يتشكل منها مجلس النواب، والتى تحمل فى داخلها العديد من المتناقضات، يشهد عليها ألاعيب بناء ائتلاف بين أعضائه، ووجود مؤشرات على نمط أداء قد يكون مزعجاً من جانب بعض الأعضاء الذين نجحوا، وهو أمر يبدو مقلقاً لشخصيات معينة. من ذلك على سبيل المثال استغراق بعض الأعضاء الناجحين طيلة الشهور الماضية فى الحديث عن تعديل بعض مواد دستور 2014، الذى أيده نسبة تقترب من 98% من المصريين، ولعلك تذكر أن بعض هؤلاء الأعضاء أكدوا فى حوارات صحفية أن تعديل الدستور يأتى على رأس أجندة أولوياتهم للعمل البرلمانى!. وثمة إحساس لدى الكثيرين أن السيطرة على أعضاء المجلس الحالى ستقابل بصعوبات كثيرة فى ظل إحساس كل عضو أنه جاء بـ«دراعه»، وعلى نفقته الخاصة أو الخصوصية، وأن حالة التنافر التى تظهر أحياناً بين بعض النواب، تعكس تنوع الولاءات للمؤسسات التى تعمل خارج المجلس، ويخشى البعض أن تنتقل الصراعات الحادثة بين بعض الأجهزة إلى داخل مجلس النواب، وقد عكست الأزمات التى شهدتها الساحة الإعلامية، وكان أبطالها بعض الأعضاء المنتخبين، حجم الشقاقات التى يمكن أن تظهر فى هذا السياق.

كل هذه العوامل تجعل الجلوس على مقعد رئيس مجلس النواب، أشبه بالجلوس على جمر ملتهب، وتجعل من تتاح له الفرصة لذلك يفكر عدة مرات قبل أن يتخذ قراراً بالترشح. فنحن أمام مجلس يمثل الشعب بصورة نظرية فقط، ويمثل قوى مصالح ودوائر صناعة قرار وأجهزة ومؤسسات بصورة عملية، وبالتالى فالإفلات من تصدر المشهد فيه هو الخطوة الأحوط، ليكون الأولى بلحم رئاسة المجلس «جحا المنتخب»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف