>>خضعت للاستعمار 5 سنوات فقط طوال تاريخها
>>90فى المائة من يهود الفلاشا الإثيوبيين هاجروا إلى إسرائيل
>>٦٦٪ من السكان مسيحيون و ٣٠ ٪ مسلمون والباقى وثنيون
>> ثانى أكبر دول القارة سكانًا.. والدولة 27 فى العالم من حيث المساحة
>> أكثر الدول إنتاجًا للبن فى إفريقيا.. ومن سلعها التصديرية الرئيسية «الذهب»
هى الدولة اللغز وربما الصداع الكبير فى رأس المصريين الآن.
ظلت فى عقول المصريين طوال العقود الأخيرة مجرد جارة فى إفريقيا ارتبط اسمها بالجفاف والمجاعات الكبرى وربما أسماء حكامها مثل منجستو هيلا سيلاسى، ومنجستو هيلا مريام، حتى دخلنا فى نفق مظلم اسمه: سد النهضة.
عن إثيوبيا نتحدث. هذا البلد الذى يعد ثانى أكبر دولة فى إفريقيا من حيث تعداد السكان بعد نيجيريا، وقبل مصر، وهى الدولة رقم 27 فى العالم من حيث المساحة، وهى دولة لها دورها الكبير بالنسبة لمصر وشعبها بحكم موقعها الذى يسمح لها بالتحكم فى نهر النيل.
ومنذ بدء الحديث عن سد النهضة، وقيادة إثيوبيا تمرد عدة دول فى حوض النيل على الاتفاقية القديمة الخاصة بحصة مصر المائية عبر «اتفاقية عنتيبى» (2010)، والكلام عن إثيوبيا لا ينقطع.
ومع استمرار المفاوضات - وتعثرها بين الفينة والأخرى- بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبى، ارتفع معدل القلق فى القاهرة من نيات أديس أبابا ومخططاتها ومدى جديتها بشأن التوافق مع القاهرة بشأن الحصص المائية فى ظل السد الذى يتم إنشاؤه بمعدلات متسارعة.
بالتزامن مع ذلك، تبرر إثيوبيا وبقية الدول الموقعة على «عنتيبى» تمسكها بالاتفاقية، التى تعيد توزيع حصص مياه النيل، بأن الاتفاقية الأولى الموقعة عام 1959، تمنح مصر والسودان، حق السيطرة على أكثر من 90 فى المائة من مياه النيل». وتمنح اتفاقية 1959 مصر 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب.
فى المقابل ترى كل من القاهرة والخرطوم أن الاتفاقية الجديدة «تمس بحقوقهما التاريخية» فى حصتهما بمياه النيل، خاصة مع إعلان إثيوبيا عن إقامة عدد من السدود، أبرزها سد النهضة.
فما هى إثيوبيا التى تثير كل هذه الأزمات وتصدرها لمصر؟
تُعرف إثيوبيا فى الأدبيات العربية باسم بلاد الحبشة وهى موطن مملكة أكسوم القديمة وفى إثيوبيا وجد أقدم هيكل بشرى عمره 4.4 مليون سنة. ولها أطول سجل تاريخى للاستقلال فى إفريقيا، إذ لم تخضع للاستعمار إلا فى الفترة من 1936 وحتى 1941 عندما اجتاحت القوات الإيطالية فى حملتها على شرق إفريقيا قبل خروجها من المنطقة بعد توقيع الاتفاق الأنجلو-إثيوبى فى ديسمبر 1944.
إثيوبيا كلمة يونانية الأصل ومعناها بلاد الوجوه المحروقة، وقد ذكرها هوميروس فى الأوديسة وفى الإلياذة، وهيرودوت فى تاريخه، واسترابو فى جغرافيته، وديودوروس الصقلى فى مؤلَّفه «مكتبة التاريخ»، وپلنى الأكبر فى موسوعته «التاريخ الطبيعى». ولكن أيًا من هؤلاء لم يكن يعنى إثيوبيا الحالية، بل بلادًا - قد تكون قريبة منها أو بعيدة عنها - يسكنها أقوام ذوو بشرة داكنة.
ويرى بعض المؤلفين أن إثيوبيا حملت أيضًا اسم «كوش» عند القدماء غير أن الراجح أنه ورد ذكر بلاد كوش فى الكتابات المصرية القديمة منذ عهد الأسرة الثامنة عشرة (1575- 1308 ق.م) ثم فى تاريخ وقائع الملك الآشورى آشور بانيبال (668- 626ق.م).
كانت الحبشة المكان الأول الذى ضم واحتضن المسلمين الأوائل عند هجرتهم الأولى وهربهم بدينهم الحنيف وفرارهم من كفار مكة. وعلى الرغم من أن الصلات بين الأحباش والمسلمين كانت فى عهد الرسول «صلى الله عليه وسلم» طيبة وودية، فإنه بدأت بعض الاحتكاكات بين الأحباش والدول الإسلامية بعد ذلك منذ عهد عمر بن الخطاب. ويذكر أن ميناء جدة تعرض لغارات الأحباش مما اضطر المسلمين لرد هذا العدوان.
وفى عام 83 هـ - اضطر المسلمون لاحتلال مدينة قريبة من الحبشة، وذلك لضمان مراقبة تحرك الأحباش، وقد وجدت بهذه الجزر نقوشًا عربية وشواهد قبور ترجع إلى منتصف القرن الثالث الهجرى، مما يدل على أن العرب المسلمين كان لهم بهذه الجزر حتى هذا التاريخ.
رغم المجاعات ومواسم الجفاف، فإن إجمالى عدد الإثيوبيين قفز بشكل مثير للانتباه خلال العقود الأخيرة. فقد ازداد عدد سكان إثيوبيا من 33.5 مليون فى 1983 حتى 94 مليون نسمة فى عام 2013.
ويُشكِّل يهود إثيوبيا نسبةً بسيطة من إجمالى السكان وهم معروفون باسم الفلاشا، وأحيانا يُطلْق عليهم لقب اليهود السود لأنهم كغيرهم من سكان إثيوبيا، ذوو بشرة داكنة. وفى أوائل الستينيات من القرن العشرين، كان فى إثيوبيا 40 ألفًا تقريبًا من يهود الفلاشا. ومنذ ذلك الوقت، هاجر 90 فى المائة منهم إلى إسرائيل. وكانت هجرتهم حدثًا لافتًا للنظر.
ويستطيع الشعب الإثيوبى التحدث بكلتا اللغتين العربية والإنجليزية إلى جانب اللغة الرسمية. واللغة الجعزية واحدة من اللغات الإثيوبية القديمة، وقد كُتب الإنجيل قديمًا بهذه اللغة. ومازالت هذه اللغة حيّة وتستخدم فى طقوس الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.
يتنوع سكان إثيوبيا تنوعًا كبيرا، فالبلاد تحتوى على أكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة. وفقًا للتعداد الوطنى الإثيوبى من عام 2007، أورومو هى أكبر جماعة عرقية فى إثيوبيا، بنسبة 34.4 فى المائة من سكان البلاد. ويؤلف الأمهريون الأكثرية الساحقة منهم ويقدرون بنحو ثلث السكان، ويعدون من الطبقات الاجتماعية العليا من بين أوساط السكان، وينتمون إلى العرق الحامى السامى، ويتوزعون على الهضبة الإثيوبية المركزية الوسطى وفى أديس أبابا العاصمة.
وينتشر أكثر المسلمين فى جنوب إثيوبيا وهم من قبائل الدناقل والصوماليين والجالا. ورغم تعصب ملوك الحبشة ضد الإسلام والمسلمين لم يتوقف انتشار الإسلام بل تغلغل بين زعمائها. وحين تولى ليج إياسو حفيد مينليك الحكم، أنكر النصرانية وقرر عام 1916م تبعية بلاده دينيًا للخلافة العثمانية.
إثيوبيا تنتج أكثر القهوة من أى بلد آخر فى إفريقيا. وهى أيضا من كبار منتجى ومربى الماشية فى العالم، ومن سلع التصدير الرئيسية لإثيوبيا: القات، والذهب، والمنتجات الجلدية، والبذور الزيتية. التطورات الأخيرة فى قطاع زراعة الزهور وسائل تستعد إثيوبيا لتصبح واحدة من أعلى زهرة ومصدرى النباتات فى العالم.
ويعيش معظم الإثيوبيين فى بيوت مستديرة، جدرانها من الإطارات الخشبية ومغطاة بالطين. والبيوت لها سطوح بشكل مخروطى، وهى مغطاة بالقش وفى بعض الأحيان تكون مغطاة بألواح معدنية. وفى المناطق التى توجد فيها الأحجار بوفرة، نجد أن العديد من السكان يعيشون فى بيوت من الحجر مستطيلة الشكل. وبالإضافة إلى السكن التقليدى فإن المدن الإثيوبية بها الكثير من المبانى الحديثة. ويوجد فى أديس أبابا الكثير من العمارات المتعددة الشقق وناطحات سحاب كثيرة.
طبقًا لآخر إحصاءٍ وطنى للسكان، يشكل المسيحيون 66.5 فى المائة مِنْ سكانِ البلادِ (43.5 فى المائة أرثوذكسى إثيوبى، 19.3 فى المائة طوائف أخرى كبروتستانت وكاثوليك)، مسلمون 30.9 فى المائة، وممارسو المعتقداتِ التقليديةِ 2.6 فى المائة.
سياسة إثيوبيا تجرى فى إطار جمهورية برلمانية اتحادية، حيث رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة. تمارس السلطة التنفيذية من قبل الحكومة. وفقًا لمؤشر الديمقراطية الذى نشر فى أواخر عام 2010، فإن إثيوبيا هى «نظام استبدادى»، لتحتل بذلك المرتبة 118 من أصل 167 بلدًا. تراجع تصنيف إثيوبيا 12 مرتبة على القائمة منذ عام 2006، ويعزو التقرير هذا التراجع إلى حملة النظام على أنشطة المعارضة ووسائل الإعلام، والمجتمع المدنى قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2010، والتى يقول التقرير عنها إنها جعلت إثيوبيا بحكم الأمر الواقع دولة الحزب الواحد.
ورغم قتل قوات الأمن الإثيوبية 75 شخصًا فى حملة قمع دامية لتخويف المعارضين فى نوفمبر الماضى، فإن أعداد القتلى تسببت فى غضب الرأى العام واشعال المظاهرات بشكل أكبر وأوسع، رافضين خطة الدولة فى توسيع رأس المال بإقليم أوروميا؛ باعتبارها خطوة فى الاستيلاء على أراضى شعب الأورمو.
وقال موقع دويتشه فيله الألمانى إن خطة إثيوبيا للاستيلاء على أديس أبابا جزء من الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضى حول أديس أبابا، وتلك الخطة أدت إلى نزوح ما لا يقل عن 200 ألف شخص، بالإضافة إلى تآكل الحدود فى ظل الفيدرالية من قِبَل الحزب الحاكم العازم على أخذ الأرض من الغاضبين الذين يسمعون فقط عن خطط التغيير والرخاء، ولا يشعرون إلا بالإحباط وبخطط السرقة من قِبَل الحكومة.
وتستند الحكومة الإثيوبية إلى الدستور الذى ينص على أن كل الأراضى ملك للدولة، وأن الشعب مستأجر من الناحية القانونية؛ حتى يُسمَح للحكومة بتنفيذ التطورات التى تصب فى مصلحة جميع الإثيوبيين، بينما ترى المعارضة أن الحكومة تسىء استخدام الدستور، وأن الدستور ينص على أن الأرض ملك للجمهور، بحيث لا يسمح للحكومة بأن يهجروا الشعب كيفما شاءوا، ويستغلوا الأرض للحزب الحاكم، ثم تقوم الدولة بخصخصة البلاد وبيعها للدول الكبرى. والواضح أنه كلما زادت الدولة من عمليات القتل، ناهض المعارضون الحكومة، واستمروا فى دعم قضاياهم، وواصلوا النضال السلمى، مستقوين بالدعم الشعبى والملايين التى تعارض الحكومة.
بعد اتهام الحكومة لليسار فى إثيوبيا، بأنهم يحصلون على دعم من الخارج لإقامة ثورة فى إثيوبيا وإيقاف المشروعات التنموية، رد اليسار قائلًا: إذا كان اليسار واليمين يحصلان على دعم لإقامة ثورة، فهل حصل أطفال المدارس والجامعات والناس البسيطة على دعم؛ حتى يخرجوا للتظاهر؟ مؤكدين أن الحقيقة ليست فى حاجة إلى دعم حتى تظهر للعالم.
وقال ميرارا جودينا المعارض البارز فى الأورومو «إن هذه المظاهرات هى الأكبر فى تاريخ المنطقة، والسبب الرئيسى فيها ليس كما تزعم الحكومة الإثيوبية بأن لها علاقة بالإرهاب أو بدول أخرى، بل إن الخطة الرئيسية للحكومة الإثيوبية بسلب مزارعى الأورومو أراضيهم وحقوقهم هى ما جعل الناس يضيقون ذرعًا بالكوادر والسياسيين. ولكن من الغريب أن المجتمع الدولى الذى يهب لنصرة أى شعب يطالب بحقه لم ينظر إلينا حتى الآن، ولم ينقذ شعب الأورومو من القتل والتشريد».