ناصر عراق
النُّبل... مهنة شاقة في زمن الأوغاد!
أصعب المهن وأشقاها أن تكون نبيلا في زمن الأوغاد، فإذا كنت من الذين يحافظون على كرامتهم، والذين يحلمون بالعدل والحرية في وقت يسطو فيه الأوغاد على مقدرات الشعوب، فاعلم أنك ستتلقى العذاب غير مرة، وستتعرض لمضايقات بالجملة، وستعتريك نوبات غضب متكررة!
بنظرة سريعة على أوضاعنا الاجتماعية والسياسية في مصر بعد ثورتين ستكتشف بيسر أننا نعيش حقا في زمن الأوغاد، فتحقيق أدنى قدر معقول من العدالة الاجتماعية غير متوفر وغير وارد في المستقبل القريب، وما زالت كهوف الفقر تستقبل الآلاف يوميًا من الذين سقطوا فيها بعد أن طردتهم الطبقات الصغيرة والمتوسطة من جنّاتها المحدودة، وإذا توجهت ببصرك نحو دنيا السياسة والسياسيين فسيصدمك حتما هذا الانحطاط السياسي البائس الذي بلغناه، فمن ناحية لا صوت يعلو فوق صوت المديح، ومن ناحية يتولى الفشلة المسؤوليات الكبرى، فالناس تقضي نحبها لأتفه سبب، من حوادث طرق، إلى كوارث معديات، إلى سقوط عقارات!
إنها سلسلة مخزية من الإهمال والفوضى والتخبط لا تحدث إلا في بلد افتقد الحدود الدنيا من الضبط والربط وإتقان العمل، بلد غادرته الكفاءة إلى غير رجعة، فالمحاسيب يقفزون إلى الواجهة، وأهل الثقة يملكون القرار، بغض النظر عن مستوى قدراتهم وإمكاناتهم، وها هي الحكومة تؤكد إخفاقها من يوم إلى آخر، فتعتقل الناس، ثم تنفي اعتقالهم، ثم تعود وتعترف باعتقال 83 فردًا، بعد أن تتعرض للضغط (الزميل الصحفي محمود السقا مؤخرًا)، فتزداد المسافة بينها وبين الملايين، وها هو مجلس الشعب لا يضم سوى المنافقين والمداحين إلا من رحم ربي.
أما إذ جئت إلى ملكوت الفضائيات فلن تجد سوى الصراخ الممجوج، والبذاءة المشينة، فهل يعقل ألا توجد فضائية مصرية ذات شأن تهتم بالثقافة؟ وهل يعقل أن يطل علينا المذيعون العصبيون يشتمون الناس حينا، ويعطوننا دروسا في الوطنية والسياسة حينا آخر، وكأننا شعب جاهل لا نعرف كيف نحب وطننا، ونعلم جيدًا من عشاقه ومن مخربيه!
هل هذا إعلام بحق؟
تبقى لنا الإطلالة على منظومة الخزعبلات التي يروج لها أصحاب المصالح المشبوهة، فمرة يعلنون أن الجن يشعل الحرائق في قرية بالشرقية، ومرة يكفرون من يهنئ أشقاءنا الأقباط بأعيادهم، ومرة يقررون حبس إسلام بحيري بتهمة ازدراء الأديان، قتصرخ متسائلا: هل نحن حقا في القرن الحادي والعشرين؟
ألم أقل لك: إن النبل أكثر المهن مشقة في زمن الأوغاد؟