خبر زيارة وفود المجلس القومى لحقوق الإنسان للسجون المصرية وعلى رأسها سجن العقرب سيئ السمعة يستحق الترحيب الحذر. الترحيب لأن تفقد ممثلى المجلس لتلك السجون يفترض أن يكون خطوة عملية لمتابعة ما يجرى فيها والتثبت من مدى صحة الشكاوى التى باتت تملأ الآفاق حول تدهور أوضاعها وسوء معاملة السياسيين فيها. أما الحذر فراجع إلى خبرتنا السابقة مع مثل هذه الزيارات حين وظفتها وزارة الداخلية فى أحد أفلامها الوثائقية التى استهدفت الدعاية وتبييض الوجه وتكذيب التقارير السلبية التى صدرت فى مصر وخارجها بخصوص المعاملة والتعذيب وراء أسوار السجون المصرية.
لا أستطيع أن أقطع بأن الزيارات ستتم، ولكننى استندت فيما ذكرت إلى ما نشرته الصحف القومية يوم السبت الماضى (٢/١) حول نتائج اللقاء الذى تم بين رئيس المجلس القومى السيد محمد فايق وبين وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار. ورغم أن ما نشرته الصحف تضمن تفصيلات عدة إلا أن أهمها كان الاتفاق على تنظيم تلك الزيارات لسجون العقرب وبورسعيد والمنيا وقنا. (لم تشرح لنا التقارير المنشورة ما إذا كانت تلك العناوين على سبيل الحصر، أى أن الزيارات ستكون لهذه السجون دون غيرها ولماذا وقع الاختيار عليها، أم إنها على سبيل التمثيل فقط). وكان مفهوما أن لقاء السيد فايق مع وزير الداخلية تم بعد استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى للأول. وهو اللقاء الذى أعلن السيد فايق فى أعقابه بأن الرئيس يعتبر حقوق الإنسان قضية أساسية فى مصر، ورغم أن ذلك أمر طيب، إلا أن ثناءه على الرئيس الذى يعد تحصيلا حاصلا لم يكن يتطلب ترتيب لقاء معه، وإذ ترك الأمر للتخمين والاستنتاج، فإن ما نشر عن اللقاء الذى تم مع وزير الداخلية يصلح لأن يكون مؤشرا لمضمون ما دار فى الاجتماع الرئاسى، الذى تم فى أجواء تدهورت فيها سمعة وزارة الداخلية. إذ حفلت مواقع التواصل الاجتماعى وتقارير المنظمات الحقوقية المستقلة بنداءات التنديد بممارساتها التى بدا بعضها صادما للرأى العام. وهو استنتاج إذا صح فإنه يستدعى عدة ملاحظات منها ما يلى:
< إن استفتاح العام الجديد بمحاولة تحسين صورة وزارة الداخلية يشيع شعورا بالإحباط واليأس بأكثر مما يفتح باب التفاؤل والأمل، وذلك إذا صح فإنه لن يختلف كثيرا عن معالجة مبنى خرب بتجديد طلائه. ذلك أن الرسالة الوحيدة التى نقرؤها فى هذه الحالة محملة بإيحاء واضح خلاصته أن ما كان فى عام ٢٠١٥ سوف يستمر فى العام الجديد لكنه سيغلف بجهد مختلف للتجمل، ظهرت بعض شواهده فى وسائل الإعلام. وجاء الدور فى ذلك على المجلس القومى لحقوق الإنسان ليؤدى دوره المرسوم.
< إننا نخطئ كثيرا إذا اعتبرنا ما يجرى فى ملفات حقوق الإنسان منسوبا إلى ممارسات وزارة الداخلية وعناصر جهاز الأمن الوطنى. ذلك أن الداخلية لا تنفرد بسياسة خاصة بها، ولكن ما تقوم به يظل جزءا من سياسة الدولة. لذلك فليس المطلوب أن تغير الداخلية سياستها فقط، لأن المطلب الأساسى ينبغى أن يثير التساؤل حول حقيقة موقف وسياسة الدولة إزاء ملف حقوق الإنسان.
< إن المجلس القومى لحقوق الإنسان إذا قام بدور «المحلل» فإنه يفقد رصيده وشرعيته وما تبقى له من ثقة واحترام. أدرى أن رصيد المجلس تراجع كثيرا بعد الزيارة الفاضحة التى قام بها بعض أعضائه لسجن العقرب وامتدحوا الداخلية خلالها، إلا أن استنكار بعض الأعضاء الآخرين لما يجرى آنذاك أبقى على شىء من الكرامة للمجلس. وهذا القدر الضئيل من الثقة المتبقى مرشح للتبديد والاندثار، إذا قدر لوفود المجلس أن تزور السجون لتجميل وزارة الداخلية والتستر على ممارساتها.
< إنه ليس مفهوما على الإطلاق أن يسمح لأعضاء المجلس القومى وحدهم بزيارة السجون ــ بعضها وليس كلها ــ فى حين ينكر ذلك الحق على المنظمات الحقوقية المستقلة، التى لا يشك فى أمانة أعضائها ونزاهتهم. وليس هناك تفسير لذلك التمييز سوى أن لدى الداخلية ما تخفيه وتخجل من اكتشاف الحقوقيين المستقلين له، ناهيك عن أن هذا الموقف يشكك فى تواطؤ أعضاء المجلس القومى وتسترهم على الانتهاكات الحاصلة فى السجون.
< إن موقف السلطات إزاء منظمات حقوق الإنسان، يبعث على الريبة والدهشة، إذ رغم أنها قضية واحدة لا تحتمل الاجتهاد ولا اختلاف وجهات النظر، فإن الحكومة شكلت مجلسها الذى صار ضمن القطاع العام، والمجتمع تشكلت له مجالس أخرى أصبحت ضمن القطاع الخاص المنبوذ وغير المرضى عنه. وربما أسهم فى التخفيف من وقع هذه الصورة الشاذة أن يتم تشكيل وفد مشترك من الطرفين، على الأقل فى عملية زيارة السجون والاطمئنان إلى أوضاعها. حيث يظل ذلك الدليل الوحيد على حسن النية والحرص على الاطمئنان وليس الإخفاء والتستر.