مجدى يوسف
الثقافة الجماهيرية أم «قصور الثقافة»؟
فى خضم المد الشعبى الوطنى أثناء الأربعينيات أنشئت الجامعة الشعبية عام 1945 فى مقابل المدارس الرسمية التى خطط لها الاستعمار الانجليزى كى تولد طبقة من الموظفين لإدارة شئون البلاد . فعلى العكس من تلك المدارس كنا نذهب للجامعة الشعبية فى شبابنا الباكر بلا طرابيش. وهناك فى مقتبل الخمسينيات تعلمت مبادئ الإيطالية والألمانية ، ولم أكن حالة خاصة، وإنما كان هذا التعطش للمعرفة والإقبال عليها هو سمة ذلك الجيل بوجه عام. وكان يعلم الألمانية هناك الأستاذ محمود بسيوني، صديق توفيق الحكيم ، حيث كان الوحيد الذى تفرش له منضدته بالجوخ الأخضر ، بينما سائر المدرسين، وبعضهم من الأجانب المقيمين فى مصر، يرتضون بمجرد منضدة عارية . وقد استمر نشاط تلك الجامعة الشعبية بعد حركة الضباط الأحرار ، بينما تحول اسمها فى 1965 إلى «الثقافة الجماهيرية» تعبيرا عن تلاحمها مع التثقيف الشعبى العام فى مختلف مجالات الفكروالفن والحياة . لكنها ما لبثت أن أصبحت بعد ذلك حسب القرار رقم 63 تابعة لوزارة الثقافة ، بوصفها الجهة الراعية ، وليغير اسمها لتصبح «الهيئة العامة لقصور الثقافة». ولعل هذه التسمية الجديدة كانت مستوحاة من النموذج السوفيتى آنذاك، وإن لم تراع اختلاف السياق المصرى فى تاريخه الخاص عن السياق الذى أنشئت فيه تلك «القصور» لخدمة الثقافة الشعبية بعد نجاح الثورة البلشفية فى الاتحاد السوفيتى السابق . فكلمة « قصر» فى السياق المصرى تثير فى نفوس الشعب نفورا يذكرها بأيام الإقطاع وكبار ملاك الأراضى الذين ذهبت سطوتهم بعد 1952 . ولذلك فلا علاقة لهذا المصطلح البتة بالتاريخ الاجتماعى الخاص للشعب المصرى ، وإن كان قد صك على نحو محض مكتبى من جانب إدارة البلاد آنذاك دونما رجوع لرأى الشعب المصرى فى هذه التسمية الغريبة عنه ، خاصة، وأنه وبغض النظر عن هذه التسمية قد تشعبت أنشطة هذه الجامعة الشعبية الحقيقية لتشمل مختلف ربوع البلاد لتنشيط مختلف المواهب الدفينة فى الشعب المصرى ابتداء من الأدب بأنواعه، والموسيقى، والفن التشكيلى، والفنون الشعبية بصفة عامة، وثقافة الطفل فى مختلف محافظات مصر، والثقافة العمالية للمحرومين منها من بنات وأبناء هذا الشعب المعطاء على مدى آلاف السنوات. فما علاقة ذلك بمفهوم «القصور»، إن لم يقصر عن توصيف هذه المهمة التى صار الآن على رأسها عالم جليل لا ينفك منذ اليوم الأول من توليه مسئوليتها عن متابعة أنشطتها فى مختلف ربوع البلاد والمشاركة فيها وتنشيطها بكل ما أوتى من همة وحماس خاصة، وأنه من أبناء صعيد مصر المخلصين لتلك البقاع المحرومة من الكثير من المرافق والخدمات على الرغم من أنها لا تكف عن تزويد البلاد بمختلف المواهب التى نقرأ عنها كل يوم ، والتى لا يسلط الضوء على أكثرها، كما هو الحال فى كل ما هو بعيد عن العاصمة!. فبمثل الإيمان بحق هذا الشعب علينا جميعا فى تنمية ثقافاته المحلية ومساندته فى نمائها وترعرعها صارت إبداعاته المحلية تمثلنا فى مختلف بلاد العالم ، وقد كنت شاهدا على بعضها حين ذهبت فى عام 2006 قوميسيرا لمعرض مصرى للفن التشكيلى فى مسقط حيث كانت عاصمة للثقافة العربية فى ذلك العام ، وكانت فرقة الشرقية للرقص الشعبى تمثل مصر هناك فراحت تبعث البهجة والفرح فى نفوس مشاهديها بما قدمه شبابها من عروض مفعمة بالنضارة والحيوية الجذابة بكل المقاييس . ثم تأتى قصور الثقافة؟ على مدى ربوع البلاد لترعى وتصقل ثقافاتنا الجماهيرية فى مواقعها ، فما علاقة هذا النشاط الحميمى للشعب المصرى بثقافة القصور؟ أليس من الأفضل أن تنزل من عليائها لتسمى ساقية أو دوار الثقافة مثلا، أو فى أى الحالات بيوت الثقافة مثلا؟ ألا تصبح تسميتها فى هذه الحالة أقرب لثقافة هذا الشعب لا سيما فى مواقعه النائية عن العاصمة؟ وأن تعود تسمية هذه الهيئة العامة التى ترعاها الدولة لتصبح «الثقافة الجماهيرية» بدلا من « قصور الثقافة» ذلك الاسم الغريب على جموع هذا الشعب؟ إننى أناشد الدولة ممثلة فى وزير الثقافة الشاب المثقف الهمام أن تسارع بإعادة اسم الثقافة الجماهيرية لهذه المؤسسة التى هى فى حقيقتها ثقافة الشعب المصرى بكل روافده المبدعة فى مختلف المجالات.