المساء
مؤمن الهباء
زمن التفكيك العربي
لن يستمر تنظيم داعش طويلاً.. سوف يقضي عليه إن آجلاً أو عاجلاً وينتهي أمر الدولة الإسلامية التي أعلنها في شمال العراق وسوريا والتي لا تتوافر لها عناصر الاستمرار.. والذين يديرونها ويتحكمون فيها عصابات قادمة من الشتات لا تستطيع أن تكشف وجوهها وتعيش كما يعيش الناس جميعاً.. وسوف تذهب هذه العصابات إلي الشتات مرة أخري عندما ينتهي الدور الذي تؤديه ويأخذ السيد المانح قراره بالتخلص منها.
المأزق الحقيقي يكمن في أنه بعد القضاء علي داعش لن تعود المنطقة كما كانت من قبل.. هناك واقع جديد يفرض نفسه.. وهناك قوي جديدة تسلحت وقويت شوكتها وصار لديها طموحات واستحقاقات تطالب بها علناً بعد أن كانت تهمس بها في الخفاء.. ويأتي علي رأس هذه القوي الأكراد الذين كان ظهور داعش فرصة تاريخية لهم.. إذ حصلوا علي ما يحتاجون إليه من سلاح.. بل وأكثر مما يحتاجون إليه بدعوي محاربة داعش.. وخاضوا معارك دموية ضد التنظيم الإرهابي دفاعاً عن الأقاليم التي يتمركزون فيها شمال العراق وشمال سوريا.. وحصلوا علي مساعدات هائلة من أمريكا وأوروبا وإسرائيل.. وأخذوا كل الاحتياطات اللازمة لإعلان دولتهم وتحقيق حلمهم التاريخي.. وكان آخر هذه الاحتياطات تعيين ممثلة لحكومتهم لدي الولايات المتحدة هي السيدة "بيان سامي عبدالرحمن".
سوف يتحقق للأكراد يقيناً حلم دولتهم اقتطاعاً من العراق وسوريا.. لكنهم أبداً لن يستطيعوا الاقتراب من كردستان إيران أو كردستان تركيا لضمهما إلي الدولة الوليدة حتي يكتمل الحلم.. وقد أعلن مسعود برزاني رئيس الحكومة الكردية في العراق ــ وهي غير مستقلة حتي الآن ــ أن حدود سايكس بيكو ــ 1916م ــ لم تعد مقدسة.. هناك الآن حدود يتم ترسيمها بالدم.
وحينما تعلن الدولة الكردية الجديدة بدعم دولي ستكون نموذجاً لأقليات أخري في المنطقة تطمح في إقامة دويلات لها وتنتظر اللحظة المناسبة.. أقصد تحديداً الأشوريين والإزيديين والعلويين.. ولن تكون هذه الدويلات إلا اقتطاعاً من الجسد العربي المترهل والمنهك.
ومن العراق وسوريا إلي اليمن المهدد بالتفكيك إلي ثلاث دول علي الأقل بين الحوثيين والسنة والجنوبيين الانفصاليين في عدن.. ناهيك عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة سيطرة كاملة.. ويدير من خلالها معاركه ضد الحوثيين والقواعد الأمريكية.
ليبيا هي الأخري صارت نموذجاً صارخاً للتمزق العربي.. فهناك برلمانان وحكومتان وجيشان.. وهناك قبائل مسلحة وقوي سياسية مسلحة.. وتجمعات عربية وإفريقية.. كل منها يسعي للسيطرة وفرض النفوذ بالقوة.. وبعض المحللين يري أن ليبيا انقسمت فعلياً إلي 3دول ولاسبيل للعودة إلي الدولة الوطنية التي كانت مهما طال أمد الحوار الذي تجريه الفصائل المتناحرة برعاية الأمم المتحدة.
السودان أيضاً له نصيبه من الصراع الذي أدي في الماضي إلي انفصال الجنوب.. واليوم هناك 3 ولايات تهدد بالانفصال وتنتظر اللحظة المناسبة.. هي ولايات كردفان ودارفور والنيل الأزرق.
وإذا أضفنا إلي ذلك القلاقل السياسية والانقسامات وجرائم الإرهاب في دول مثل مصر والبحرين والسعودية ولبنان أدركنا حجم الخطر المحدق بأمتنا من كل جانب.. وهو خطر حقيقي أضعف مناعتها وأنهك قوتها.. وجعل كل دولة مشغولة بنفسها ولم يعد لديها من الجهد ما يكفي لتوجهه إلي الخارج.
كنا إلي زمن قريب نحلم بالوحدة العربية.. لكن حين انكفأت كل دولة علي نفسها انزلقنا إلي زمن التفكيك.. وصارت كل دولة تحلم بالحفاظ علي وحدة أراضيها.. ذلك أقصي ما تتطلع إليه.
تري ما الذي أوصلنا إلي هذا الدرك؟!.. هل الشعوب هي السبب أم الحكام المستبدون الذين أضعفوا شعوبهم وفشلوا في مواجهة المؤامرات المعلنة من جانب إسرائيل وحلفائها لإعادة تقسيم العالم العربي؟!
هل الربيع العربي هو السبب.. أم القوي التي انقضت علي الربيع هي التي انتصرت وصار بيدها أن تنفذ مؤامراتها ومخططاتها حتي لا يري العرب ربيعاً آخر؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف