لا أدرى ماذا أطلق على عام 2015 المنصرم، ولا أدرى أى وصف ينطبق عليه.. هل يمكن أن نطلق عليه «عام الدماء»؛ لكثرة الدماء البريئة والمعصومة التى أريقت فيه بغير ذنب جنته بدءاً من آلاف السوريين الذين قتلهم «داعش» أو طائرات الأسد أو الطائرات الروسية، أو المدنيين الروس الذين قتلوا جراء تفجير طائرتهم، أو المدنيين الفرنسيين الذين قتلهم «داعش»، أو آلاف المدنيين العراقيين الذين قتلهم «داعش» أو «الحشد الشعبى»، أو آلاف اليمنيين المتقاتلين على لا شىء، أو المدنيين اليمنيين الذين قتلوا دون أن تكون لهم ناقة ولا جمل فى القتال الدائر فى بلادهم.
أم نسمى هذا العام «عام الدواعش والدعشنة»؛ حيث طغى ذكر تطرفه وجبروته ومذابحه على كل ما سواه، فأنست مظالمهم مظالم من خلوا.. حتى ترحّم الناس على «القاعدة والنصرة».
فـ«داعش» بغبائه حارب العالم كله والذى رد عليه سهم الحرب ومع نهاية العام حقق انتصارات باهرة عليه.. فمن أراد حرب العالم كله هُزم مهما كانت قوته وبأسه.
فـ«داعش» لم يترك بلداً إلا وحاربه، فذبح المصريين فى ليبيا، وضرب فرنسا مرتين إحداهما فى «شارل إبدو» ثم قام بأكبر تفجيرات فى فرنسا، وضرب تركيا بعدة تفجيرات، والسعودية والكويت بتفجيرات خسيسة فى بيوت الله، واغتال عدة أشخاص أمريكيين من ذوى الاحتياجات الخاصة دون شفقة أو رحمة، فضلاً عن ذبحه لعشرات المدنيين سواءً فى سيناء أو العراق أو سوريا.
ومع نهاية العام تراجع «داعش» وانكسر فى عدة بلاد، منها: العراق بعد تحرير الرمادى وسيناء بعد أن حققت «حق الشهيد» التى أطلقها الجيش المصرى انتصاراً حقيقياً عليه وحققت المبادأة معه فى عقر داره.
إنها البداية لمشوار طويل لن يحقق ثمرته إلا بالعدل السياسى والاجتماعى والتنمية الاقتصادية والعلمية ونبذ الطائفية والمذهبية فى بلاد العرب.
وعام 2015 هو «الأسوأ على الشعب الفلسطينى»، خاصة فى الضفة والقطاع، حيث ودع الشعب الفلسطينى 102 شهيد وأصيب منه فى الانتفاضة الثالثة المسماة «انتفاضة السكاكين» 12 ألف مصاب.. ولكن أسوأ ما مر بهم هو تجاهل العالم كله وأوله العرب لقضيتهم لتهبط بعيداً عن اهتمام الحكومات والشعوب العربية فى ظل انتفاش وانتعاش إسرائيلى غير مسبوق.
وعام 2015 هو «الأسوأ على سوريا»؛ فقد قُتل فيه 55 ألف سورى بينهم 2500 طفل ويقدر عدد المدنيين القتلى بينهم بـ13 ألف قتيل، وعدد المعتقلين لدى النظام بربع مليون معتقل.. ولعل صورة الطفل السورى «إيلان» التى هزت العالم كله ليست إلا جزءاً من مأساة مليون لاجئ فروا من سوريا فى السنوات الأخيرة.
أم نطلق عليه «عام الصراع العربى العربى»، فبعض السوريين يحاول تحرير دمشق من سوريين آخرين.. ويقاتل بعض العراقيين لتحرير الرمادى والموصل من عراقيين آخرين.. وبعض اليمنيين يقاتل لتحرير صنعاء من بنى جنسهم.. وكلهم نسوا تحرير القدس ويتوجهون دوماً عكس التاريخ والجغرافيا.
أم نسميه «عام إعلان وفاة أمة العرب» حيث تركت «موقع الفاعل» وأصبحت تعيسة بـ«المفعول به».. لأنها أمة لا دور لها فى بلادها أو خارج أوطانها، يقرر الآخرون مصيرها فى عواصم الغرب والشرق.
أمة لا تنتج طعامها ولا دواءها ولا علاجها ولا سياراتها أو قطاراتها أو طائراتها ولا أى جهاز طبى أو هندسى أو تقنى مهم.. ولا يحوز أحد أبنائها جائزة نوبل إلا إذا انتسب لجامعات الغرب.. أمة تتمزق حينما تتوحد الأمم، تهمل مواطنيها ويستبد حكامها وتُنهب أموالها ولا تستضيف لاجئيها، ولا تكرم أيتامها وضعفاءها ومشرديها وتتركهم يتسولون أوروبا، إنها تسكن غرفة العناية المركزة تنتظر إعلان وفاتها.
أم نسميه «عام الصراع السنى الشيعى» الذى حل بديلاً عن الصراع العربى الإسرائيلى؛ ففى اليمن وسوريا والعراق ولبنان يحاول الشيعى أن يظلم السنى ويحمّله مأساة كربلاء.. ويحاول السنى أن يظلم الشيعة ويحمّله مظالم كل من يسب الصحابة.. وبعضهما يقتل الآخر بالاسم تارة وبالمذهب أخرى.. وكلاهما يريد إقامة إمبراطورية على أشلاء الآخر.
أم نسميه «عام الإعلام الفاحش والردىء» والذى يستضيف الموقوذة والمتردية والنطيحة.. ويسعد بتقديم الراقصات وأهل الهوى والكذب والنفاق على العلماء والأولياء والشرفاء والكادحين والأدباء.. لا يقدم التسابق إلا فى الرقص والغناء العارى دون أن يقدمه فى الأدب والشعر والقصة والكيمياء والفيزياء والمخترعات أو الطب أو الهندسة، إعلام شعاره «العلماء يمتنعون».. إعلام يقدم دوماً من «إذا خاصم فجر».. إعلام يشتم فى ابن عباس وابن عمر وأبى حنيفة والشافعى والبخارى.
يا أيها العام المنصرم.. ذنوبنا فيك كثيرة، وصالحاتنا قليلة، وبضاعتنا مزجاة، فيا رب يا غفور يا رحيم يا ودود يا كريم ارحم أمتك واهدها سبل السلام، واحقن الدماء المعصومة، واهد الجميع لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدى لأحسنها إلا أنت.