الوطن
د. محمود خليل
أطول معركة فى التاريخ
إنها أطول معركة فى التاريخ، تلك التى استعرت بين المسلمين السنّة والشيعة على مدار 14 قرناً من الزمان. بدأت إرهاصاتها الأولى خلال اللحظات الأولى التى أعقبت وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، حين انحاز نفر من المسلمين إلى على بن أبى طالب كخليفة للنبى، وكان أغلب شيعته من الأنصار، فى حين كان هناك مشهد آخر يدور فى سقيفة بنى ساعدة، حيث احتدم الخلاف بين المسلمين ليتم حسمه فى النهاية لصالح أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

وأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم كلهم عدول، وأصحاب فضل، لكن العلة كانت فى أشياعهم وأتباعهم. وقد مثّلت مأساة كربلاء أيقونة تحلّقت حولها تلك الفرقة التى عُرفت فى التاريخ الإسلامى بـ«الشيعة»، ومنذ استشهاد الحسين بن على رضى الله عنهما، وهذه الفرقة تعيش المأساة تلو الأخرى، حتى تحولت حياة أفرادها إلى مناحة كبرى، تختلط فيها مآسى الدنيا بذكرى المأساة الكبرى لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم فى كربلاء. ربما تكون قد شاهدت بعض طقوس هذه المناحة على إحدى القنوات الشيعية خلال ذكرى كربلاء الذى يوافق يوم عاشوراء.

أما السنّة، والذين تنحدر تجربتهم بعد مرحلة الخلافة الراشدة من الوعاء الأموى، فقد كانوا الأكثر سيطرة على أمور الدولة الإسلامية عبر تاريخها باستثناء فترات محدودة، ويعود الفضل فى ذلك إلى ما تمتع به بنو أمية، منذ أبى سفيان بن حرب وولده معاوية، من حنكة سياسية، وقدرة على إدارة شئون الدنيا، عبر توظيف الدين. وكان جوهر وظيفة الدين فى تاريخ التجربة السنية، وربما فى حاضرها أيضاً، هو السيطرة على الدنيا، لذلك تجد أن الفقه الذى نما وترعرع فى سياق تطبيقاتها يميل إلى حماية الحكام من أى فرَق معارضة، ويحرّم الخروج عليهم، حتى ولو ضربوا الأبشار ونهبوا الأموال واستحلوا لأنفسهم ظلم الرعية، متذرعين فى ذلك بأن الفتنة التى تترتب على الخروج على الحاكم قد تكون أخطر فى نتائجها من نتائج ظلم الحكام. تخريجة وجيهة ولا شك، لذلك عاشت المجتمعات السنية مستقرة وشبه متآخية مع فكرة الظلم، بل ومتماهية معها، فى حين كانت المجتمعات الشيعية الأميل إلى التمرد والتقلب، مع ما يتبع ذلك من مذابح، وسفك للدماء، وأكثر تماهياً مع فكرة المظلومية.

صراعات الأجداد ورثها الأحفاد، فكما تقاتل على ومعاوية فى صفين، وكما تقاتل الحسن بن على مع جنود يزيد بن معاوية فى كربلاء، تواصلت حلقات القتل المتبادل بين الطرفين عبر التاريخ. ووجد كل طرف من هذين الطرفين من ينتصر له من بين المسلمين. الأجداد من صحابة الرسول لم يكن فى أذهانهم بالطبع تلك التصنيفة السنية الشيعية، لكن الأحفاد هم الذين اخترعوها اختراعاً، وانطلاقاً من التنافر بين مواقف الفريقين من ولاية الأمر بعد وفاة النبى، وما تولّد على ذلك من فقه وفهم للتاريخ. وتؤشر الأحداث التى تشهدها المنطقة منذ فترة والتى بلغت قمة التوتر بعد تنفيذ حكم الإعدام فى رجل الدين الشيعى «نمر النمر» إلى أننا بصدد فصل جديد من فصول المعركة سيخسر فيها الطرفان كالعادة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف