التحرير
فريدة الشوباشى
خطة أمريكية للتمزيق
أستغرب بشدة عندما أرى شخصية ما تستنكر موقفى من الولايات المتحدة الأمريكية، وكأننى أتعرَّض «ظلمًا» لدولة يشهد سجلها «الناصع» بأنها لم تقدّم لنا إلا الخير كله.

وسر دهشتى أن السجل الناصع ماثل أمام أعيننا، فأفغانستان التى جنَّدت لها أمريكا كل المال العربى والبشر العربى أساسًا، مثال واضح للفوضى والتفكُّك، والحروب الأهلية والانحدار القيمى، وللأسف ذلك كله باسم الإسلام ! وأمام أعيننا العراق، الذى كان دولة تجمع ما بين الأنهار والنفط، وتلك خصوصية لا أعتقد أن إحدى دول الخليج العربى تتمتع بها.

بكل ما استطاعت من أكاذيب وادعاءات روَّجت واشنطن أسطورة الخطر العراقى الداهم، ليس على حبيبتها إسرائيل فحسب، بل على كل المنطقة العربية، وحتى على العالم بأسره! ورفعت كذلك شعار الديمقراطية وكأنها حامية حمى الشعوب المقهورة ، نتيجة تسلُّط الحكام الديكتاتوريين عليها.

وليس مسموحًا لك أن تسأل مَن الذى كان يحمى هؤلاء الحكام، قبل أن تخلعهم أمريكا، مثل جورب قديم. أصبح العراق، بفضل الجهود الأمريكية النبيلة ، ساحة للاحتقان الطائفى البغيض، وللحزازات العرقية، والتردّى الاقتصادى، رغم أنه كان من أغنى الدول العربية.

وكعادتها جنَّدت واشنطن العرب، للقيام بتدمير أنفسهم، خير قيام. وعندما كان أحد منا يحذّر من مغبّة التدخُّل الأمريكى السافر فى شؤوننا، وبترحيب غالب من جانبنا وكأن أمريكا هى رامبو أو المنقذ الوحيد من الشرور التى تحيط بنا، وكلها تقريبًا من صنعها، كان يناله من التقريع والهجوم السافر ما تعجز جيوش فى صده. وبالطبع عندما تركنا ليبيا للاستراتيجية الأمريكية ظهرت الجماعات الإرهابية، التكفيرية، خصوصًا تنظيم داعش، وكأننا فى كابوس مفزع، حيث برز على السطح داعش فى العراق وليبيا وسوريا واليمن، وكان الإعداد الأمريكى يجرى على قدم وساق، لتلحق مصر بهذه الفوضى المدمرة، والتى لا شك فى كونها تنفيذًا لمخطط تمزيق الوطن العربى، وإشعاله بكل أنواع الحرائق الطائفية والعرقية، وبحيث تنعم إسرائيل بالهدوء وتستولى على أراضٍ عربية جديدة، فى إطار مشروعها التوراتى! من الفرات إلى النيل.. وهو ما أفشلته ثورة الشعب المصرى فى يونيو، ومساندة الشعب العربى عمومًا لها.. لكن مَن يظن أن أمريكا ستسلم بالأمر الواقع يكون واهمًا بدرجة تقترب من الانتحار.. فقد رأينا كيف تضافرت الآلة الإعلامية الأمريكية مع آلة التنظيم الدولى للإخوان، للتشكيك فى الثورة، خصوصًا فى قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى للوطن، فالقناة الجديدة فى السويس، مجرد ترعة، ومشروع بناء محطات كهربائية بالطاقة النووية سمّ وعلف يندس فى أرض مصر، وطبعًا ولا كلمة واحدة عن السم النووى فى أمريكا نفسها وفى إسرائيل واليابان وباكستان.

وإذا خرج السيسى بمشروع بناء شبكة الطرق، رد التيار الأمريكى بقوله: أكّل الناس الأول .. حتى مشروع إنشاء صوامع القمح، شنّ عليها أتباع المشروع الأمريكى هجومًا شرسًا، لصالح مافيا استيراد القمح الأمريكى! باختصار دخلت أمريكا بقوة ميدان حروب الجيل الرابع، ولكن الواقع المر الحالى يجعل من مواجهة تلك الحروب أمرًا ممكنًا جدًّا، وعلينا باليقظة وفضح النيّات الأمريكية التى لم تعد تُخفى على أحد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف