محمد السيد عيد
محاكمة خيالية لإسلام بحيري
أعترف أن لدي ميولاً قضائية رغم أني لم أدرس سوي القليل من العلوم القانونية، ولذلك قررت أن أعقد للسيد إسلام بحيري محاكمة خيالية، لاصلة لها بالمحاكمة الحقيقية. ولأني سأشكل بمزاجي المحكمة التاريخية، فقد قررت أن أجعلها محكمة هزلية، يتولي رئاستها سيد قطب صاحب الدعوة التكفيرية، ويمثل الادعاء فيها أبو بكر البغدادي خليفة الدولة الداعشية، أما الدفاع فلن أجعله لرفاعة الطهطاوي عمدة التنويريين، ولا لمحمد عبده شيخ المستنيرين، فهما أجلّ من أن يقفا أمام أحد من التكفيريين، بل سأجعله لنجم الأفلام الكوميدية، في السينما المصرية، عبد الفتاح القصري صاحب العبقرية التمثيلية، الذي أدي دور المحامي الجهول ببراعة نادرة، في فيلم الأستاذة فاطمة.
وهاهي ذي وقائع المحاكمة :
صاح الحاجب : محكمة. فوقف الجميع إلا عبد الفتاح القصري، مما جعل القاضي يسأله وهو يغلي : لماذا لم يقف الدفاع ؟ فتعلل القصري بعدم السماع، لأن سمعه ضعيف، ووقوفه أو قعوده لن يضيف، فنهره سيد قطب بشدة، وقال له بحدة : إياك والعبط مع الشيطنة، ولتعلم أنك إذا لم تلتزم بقواعد المحكمة فسوف أحبسك سنة. حينئذ قال القصري بشجاعة : إذن فأنا أطلب التأجيل ياجماعة حتي أشتري سماعة. لكن قطب رفض وقال : بل ستنعقد المحاكمة في التو والساعة.
أعطي قطب لممثل الادعاء الكلمة، فبدأ كلامه بالحكمة، وقال : المشكلة يا سيادة الرئيس هي في تلبيس إبليس، إذ ظن المدعو إسلام بحيري أن العقل يمكنه أن يكون حكماً علي النقل، وراح يُحكّم عقله في أحاديث البخاري ومسلم، ويعيد النظر فيما هو به مُسَلَّم. واتخذ من الشك منهجاً فكان له مُهلكاً. وكان أولي به أن ينحي عقله جانباً، وأن يجعل ظاهر النص غالباً، حتي ولو كان النص ضعيفاً، لئلا يكون طريقه بالأخطار محفوفاً. والأغرب من هذا تشكيكه فيما جئنا به من أسانيد لحرق الخصوم وقتلهم، وكأنه موالٍ لهم.
سأله الشيخ قطب المتهم إسلام إن كان لديه رد علي هذا الكلام ؟ فقال في أدب جم : هذا كلام يغم. لأن العقل منحة إلهية، وبه ميز سبحانه الإنسان عن سائر الأنواع الحيوانية، ولو ألغينا عقولنا لصرنا مثل الدواب، وماكنا أهلا للتكليف والحساب. وأضاف أنه لايستغرب مايحدث له الآن لأن العقل الآن في حالة غياب.
وهنا اعترض عبد الفتاح القصري علي ممثل الادعاء، وقال بشمم وإباء : كيف يتهم الادعاء موكلي بالشك ؟ هذا الكلام عك في عك، من قال له إن موكلي دبوس ؟ هذا اتهام غير مدروس.
لم يعط القاضي كلامه أهمية، وطلب من الادعاء أن يواصل الكلام في القضية، فقال : ومن عجائب السيد إسلام أنه يرفض الزواج بالبنات الصغيرات رغم أنهن قمرات، ويقول إن الإسلام ليس فيه دم، ويدس أنفه في مسألة الحكم، ويؤكد أن الحكم في الإسلام مدني، وهذا معناه أننا مخطئون في قولنا بالحكم الديني.
صاح السيد القصري في وجه القاضي : أحتج، فهذا كلام زجزج. سأله القاضي : ومامعني زجزج ؟ قال : أي مثل الزجزاج لايسير مستقيماً بل كله تعاريج. ثم كيف يريد هذا الملتحي أن يتزوج البنت وهي طفلة ؟ إنه رجل ذو غفلة. وما قصة الحكم الديني ؟ أأنتم أصحاب دعوة أم طلاب سلطة ؟ ثم اختتم دفاعه بقوله : إنني أطالب المحكمة بإعدام الادعاء لأنه يريد الحكم ولو كان ثمنه الدماء. حينئذ ضحك القاضي باستعلاء، وحكم علي الدفاع بالسجن والجلد، لأنه قال كفراً يستحق بسببه أن يقام عليه الحد. وأراد إسلام بحيري أن يدافع عن نفسه لكن سيد قطب أمر بحبسه وكتم نفسه، وإسكات حسه، حتي لاتنتقل دعوته للئام فتزدهر قصة العقل ومايشبهه من كلام.