الوطن
د. محمود خليل
مصير المنطقة.. فى يد من؟
واحد من العوامل التى تؤدى إلى اهتزاز أى نظام سياسى، بل وسقوطه إذا لزم الأمر، يرتبط بظهور شخصية حمقاء قادرة على التأثير فى صنع القرار السياسى. ظهور شخصية «مروان بن محمد» على ساحة المشهد السياسى كان إيذاناً بنهاية الدولة الأموية، وقد لقّبته كتب التاريخ ساخرةً بـ«مروان الحمار»، لقلة فهمه وسوء تدبيره، وعلى يديه سقطت الدولة، لتقوم من بعدها الدولة العباسية. وفى التاريخ الحديث كان حمق «خسرو باشا» سبباً مباشراً لسقوط دولة المماليك التى حكمت مصر قروناً عديدة، ومقدمة لظهور محمد على وتأسيس الدولة العلوية التى حكمت مصر من عام 1805 إلى عام 1952. وفى الحقبة المعاصرة التى نعيشها لا يخلو الأمر من حمقى لعبوا أدواراً مهمة فى سقوط أنظمة حكم، فلا خلاف على أن جمال مبارك الذى طمح إلى وراثة عرش أبيه كان سبباً مباشراً فى قيام ثورة 25 يناير، وهو نفس الدور الذى لعبه خيرت الشاطر خلال السنة التى حكم فيها «مرسى» مصر، فكان سبباً فى سقوطه فى 30 يونيو.

نيران الصراع الطائفى التى تشتعل فى المنطقة حالياً تؤشر أيضاً إلى وجود العديد من الحمقى فى باطن الأحداث، وبإمكانهم أن يُسقطوا عروشاً وأنظمة، بل ودولاً، لو تواصل أداؤهم على النحو الذى نشاهده. وللأسف الشديد فالمنطقة العربية مهيأة منذ فترة لاندلاع مواجهات يمكن أن تأكل الأخضر واليابس فيها، ليس المنطقة العربية وفقط، بل منطقة الشرق الأوسط ككل، إذ لا يستطيع عاقل أن يعزل كلاً من إيران وتركيا عن تفاعلات المشهد السياسى العربى. إيقاع الأحداث السريع يشهد على الشخصيات التى تكمن فى خلفية المشهد والتى تتحرك بشكل تعوزه الحكمة فى بعض الأحوال، وتنقاد لرؤى وتوجيهات قوى خارجية عديدة لا تريد بالمنطقة ولا بأهلها خيراً، بل تسعى إلى إشعال نار الحرب فيها، بصورة تساعدها على بيع وتجريب ما لديها من أسلحة. ولعلك تابعت أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عرضتا بعد ساعات من اندلاع الأزمة بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران إلى تقديم خدماتهما للتوسط لإصلاح ذات البين بين البلدين. هذا ما يتم فى إطار ما هو معلن بالطبع، لكن ما يجرى فى الحجرات المغلقة التى تدار فيها المصالح قد يكون مختلفاً أشد الاختلاف.

قد تقول إنها المؤامرة!.. كلامك صحيح، لكن خيوط المؤامرة ليس بمقدورها الاكتمال وإحكام حلقتها العنكبوتية حول الفريسة، إلا فى وجود تلك الفصيلة من الشخصيات الحمقاء التى تهيئ الأجواء لنجاح المتآمر. والمنطقة لا تخلو من هذه الشخصيات التى تتسم بعدد من السمات، من أهمها الثقة المفرطة فى النفس، تشعر ذلك فى الإحساس الذى يتملّكها بسلامة قراراتها، ودقتها ومناسبتها لظروف الأحداث، ودائماً ما تولّد الثقة نوعاً من التسرع فى إصدار القرار، ولا تمنح الفرد الفرص المطلوبة للتأمل فى النتائج التى تترتب عليه، وبالتالى فغياب الحسابات الدقيقة يُعد سمتاً أساسياً لهذا النوع من الشخصيات التى كتب الله على البشر أن يشكلوا فى أحوال محركات مهمة للمشاهد السياسية. فتّش فى الأحداث التى تشهدها المنطقة وستجد حمقى كثيرين يطلون برؤوسهم!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف