فى الأزمة القديمة كان معروفًا انه كلما كانت الغلبة والقوة للحضارة العربية تمددت وانطلقت إلى الشرق، والشرق فى الحضارة العربية يبدأ من بلاد فارس أى إيران حاليًا ويمتد حتى بلاد الصين وما تلاها، وكان هذا الامتداد ظاهرًا وجليًا من ناحية التأثير على الحضارة الفارسية، وفى المقابل كلما ضعفت الحضارة العربية كانت الغلبة والامتداد للفرس فى بلاد العرب والجزيرة، ولكن الحضارة العربية فى أوجه قوتها مع بدايات المد الإسلامى كانت أكثر تأثيرًا على بلاد فارس، أما الحضارة الفارسية فكانت تترك بشرًا فى منطقتنا، فيعيشون بيننا ويندمجون فى حضارتنا، ولكن الشىء الأكثر ايجابية فى أثر الحضارة والأمة الفارسية على الحضارة العربية ان هناك الكثير من علماء الدين المسلمين والذين تَرَكُوا علامات بارزة فى الحضارة العربية والاسلامية كانوا من بلاد الفرس.
هذا فى زمن انطلاق الدعوة الاسلامية وما تلاها، ولكن من تلوين أشكال الصراع والمنافسة بين العرب والفرس، وغرس الفتن الطائفية خرجت تصنيفات مذهبية دينية، وتلونت بأشكال وطباع سياسية، واستغل أعداء الاسلام هذا الخلط لتصنيع الفتن ما ظهر منها وما بطن، وآخر هذه الفتن بعد انطلاق الثورة الاسلامية الإيرانية على نظام الشاه، وميلاد نظام الملالى واعلاء المذهب الشيعى فى الفكر والسياسة الإيرانية، وأخذت إيران فى صناعة مكانه وقوة لنفسها إقليمية فى الشرق الأوسط، وتعاونت بشكل مباشر أو غير مباشر مع القوى الغربية وأمريكا التى كانوا يُسمونها الشيطان الأكبر فى محاولة السيطرة على المنطقة وعلى جزيرة العرب، فكان تدخلهم فى سوريا، وقبلها لبنان وإنشاء حزب الله، ثم الدخول إلى اليمن، ومحاولة اختراق السعودية، وفرض نفوذ إيرانى، والسعى للقفز على الدور السياسى السعودى فى المنطقة والعالم، وصناعة توجه مذهبى من خلال المذهب الشيعى لخلق منافس قوى للمذهب السنى. الذى هو مذهب الأغلبية المسلمة فى العالم.
ودخلت إيران بالسياسة من أجل تحقيق أهدافها السياسية، وانحازت لها تركيا سياسيا بالأمس فى خلافها مع السعودية، وهذا برهان على تحالف الغرب ووكلائه مع إيران لكسر قوة العرب وقدراتهم، والعمل على استكمال مخطط التقسيم الذى باركته أمريكا واعتمدته كنموذج (وكتالوج) لتغيير خريطة المنطقة وجعلها ميسرة وسهلة فى أيدى وكلاء الشيطان الأكبر الأمريكى. كما وصفه أهل فارس، والوكلاء هنا هم إيران وتركيا، وبالفعل اتحدوا وأظهروا ولاءهم للمخطط الأمريكى الكبير للمنطقة، وعندما ترفع إيران رايات المذهبية، فإنها تعلى وتعمق منطق الفتنة، وتوظف الدين لخدمة الأهداف السياسية الكبرى التى صنعتها أمريكا، فهل لنا كعرب ان نفيق قليلا للمخطط، وهل وزراء الخارجية العرب فى اجتماعهم يوم الأحد المقبل فى الجامعة العربية سوف يدركون المخطط جيدا، والدور الإيرانى والتركى فى هذه اللعبة، أم سيكتفون بالإدانة والشجب، وهل سوف يدركون أن مطلب مصر والسيسى لإنشاء القوة العربية المشتركة لم يكن من فراغ، ولكن علينا ان ننتظرهم، ولكن علينا ان نعى جيدًا أهداف إيران وتركيا، وان قصة الشيعة والسنة فى السياسة ما هى إلا وسيلة لتحقيق الأهداف، فهل لنا ان نحقق أهدافنا نحن العرب، وان نحافظ على ما تبقى من قوتنا والا ننجر إلى مستنقع الحرب مع وكلاء الشر، لأنهم أدوات لصاحب الخطة الكبرى لتقسيم المنطقة وإعادة رسم خريطتها من جديد.