صباح الخير
رضا رفعت
د. جمال عبدربه خبير المحاصيل: الجوجوبا.. توفر احتياجات مصر من الزيوت
كثر الحديث فى الآونة الأخيرة، عن الأشجار التى يمكن أن تتوافق مع ظروف الشح المائى، خاصة مع الإعلان عن مشروع زراعة المليون فدان وعن مشاكل سد النهضة واحتمالات انخفاض حصة مصر من مياه النيل, ونعرف أن من أهمها أشجار نخيل البلح وأشجار الزيتون، لما لمصر من ميزة نسبية فى هذا الاتجاه.
إلا أن خبراء الزراعة أكدوا أن شجرة أو شجيرة «الجوجوبا» من الأشجار التصنيعية ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة جدا وقد تتفوق فى قيمتها وعائدها الاقتصادى على النخيل والزيتون بشكل كبير، ويسميها البعض بالذهب الأخضر والتى سيكون لها شأن كبير فى التوسع فى زراعة الأراضى الصحراوية فى السنوات القادمة.. صباح الخير كان لها هذا الحوار مع د. جمال عبدربه السيد أستاذ البساتين بزراعة الأزهر وعضو لجنة خدمة المجتمع وتنمية البيئة بالجامعة، لتناول كل النواحى العلمية المتعلقة بهذا النبات.
نبات صحراوى
• فى البداية.. ما هى شجيرة الجوجوبا؟
- هى نبات صحراوى يتحمل الظروف والأجواء المتطرفة الحارة والباردة وكذلك يتحمل الجفاف وملوحة التربة العالية، فهو يتحمل العيش فى درجة حرارة من (5 إلى 50) درجة مئوية، كما يتميز بمقاومته العالية للأمراض والآفات واحتياجه القليل للماء، وهى شجيرة مستديمة الخضرة، يتراوح ارتفاعها نحو 1.5 إلى 4.5 متر ويصل قطرها إلى حوالى 2.5 متر ولها أكثر من ساق رئيسى وكثيرة التفريع ودائرية الشكل، والأوراق بيضاوية متقابلة ذات نصل سميك جلدى تكسوها شعيرات دقيقة شمعية لتقلل من فقد الماء وتشبه إلى حد كبير أوراق الزيتون، بالإضافة إلى أن الأوراق تكون رأسية على الأفرع مما يقلل من تعرضها لأشعة الشمس. علاوة على أنها لها ميزة أخرى أن الجزء المستخدم منها وهو البذور التى تعصر للحصول على الزيت «الشمع السائل» لا تؤكل ومن ثم فإنه لن يكون هناك داع للحراسة. ومن ناحية أخرى فإنه يمكن الاعتماد على مياه الصرف الصحى المعالجة فى رى هذه النباتات ومن ثم توفير المياه الصالحة للرى لزراعة أشجار الفاكهة الأخرى مثل التين والزيتون والنخيل، لذا تعتبر الجوجوبا من أهم النباتات التى يمكن استخدامها فى زراعة وتنمية الصحراء.
• ومتى دخلت هذه الشجيرة إلى مصر؟
- فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى ويرجع الفضل فى ذلك إلى الأستاذ الدكتور محمود هاشم البرقوقى مؤسس قسم البساتين وعميد زراعة الأزهر السابق، حيث أحضر بذور هذا النبات بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» من حيث ينمو هذا النبات بريا فى ولايات الغرب الأمريكى مثل صحراء أريزونا وأوكلاهوما ونيومكسيكو حيث كان الهنود الحمر «السكان الأصليون للولايات المتحدة الأمريكية» يستخدمون الزيت الناتج عن عصر بذوره فى دهان أجسادهم وشعورهم للوقاية من وعلاج الأمراض الجلدية، حيث تمت زراعة هذا النبات بمزرعة القسم بكلية الزراعة بمدينة نصر بالقاهرة وتم تسجيل أول رسالة ماجستير بالقسم فى منتصف الثمانينيات ثم دكتوراة عن طرق إكثار هذا النبات وبعد ذلك تبنى أحد رجال الأعمال زراعته فى المناطق الصحراوية ونتيجة نجاح زراعته وإنتاجه تم إنشاء مصنع لاستخراج الزيت «الشمع السائل» من بذوره والذى يباع إما كزيت خام أو يباع فى صورة منتجات مصنعة مثل مستحضرات التجميل أو باستخدامه فى إنتاج أدوية علاجية أو فى صناعة المبيدات الحيوية أو فى إنتاج الوقود الحيوى.
طن ونصف للفدان
• ومتى يبدأ الجوجوبا فى الإثمار؟
- سيبدأ فى الإثمار وإنتاج البذور بدءا من العام الثالث علما بأن النبات منفصل الجنس مثله مثل النخيل أى منه نباتات مذكرة ونباتات مؤنثة ومن ثم يجب عند الزراعة مراعاة زراعة النباتات المذكرة كملقحات للنباتات المؤنثة حيث يتم التلقيح خلطيا بواسطة الرياح وتصل إنتاجية الفدان إلى حوالى 300 كيلوجرام من البذور فى أول العمر الإثمارى يباع كيلو البذور بسعر يتراوح من 30 إلى 60 جنيهاً مصريا حسب جودة الصنف ويستمر الفدان فى الزيادة السنوية للمحصول الناتج حتى يصل عمر ثمانى سنوات حيث ينتج الفدان حوالى طن ونصف الطن.
• وما مجالات الاستفادة من بذوره؟
- بذوره تشبه الفول السودانى تحتوى علي50% من وزنها زيت تنتج عند عصرها حوالى 750 كيلو زيت ذو تركيبة فريدة يصنف كميائيا كشمع سائل وليس كزيت حيث يستخدم فى مجال صناعة مستحضرات التجميل وكزيت للمحركات فائقة السرعة يباع فى السوق المحلية بسعر 150 جنيها للكيلو، كما أن الكسب (باقى عصر البذور) ويمثل 50% من وزن البذور يمكن ان يكون له استخدامات عديدة فى صناعة الأعلاف حيث يحتوى على بروتين بنسبة تتجاوز الـ30 % يمكن استخدامه كبديل لبروتين فول الصويا خاصة بعد الدراسات التى أجريت على إمكانية استخلاص مادة السيموندسين التى تسبب فقدان الشهية للحيوانات علاوة على إمكانية الاستفادة العكسية من تلك المادة فى إنقاص الوزن لمن يريدون إنقاص وزنهم، هذا بالإضافة إلي باقى منتجات النبات التى يمكن أن يكون لها استخدامات عديدة مثل قشر البذور وأوراق النبات التى تم استخراج مواد مضادة للخلايا السرطانية منها.
• ما مدى ملاءمة الظروف المناخية فى مصر لزراعته؟
- تعتبر مصر من أنسب دول العالم لزراعة هذا النبات لملاءمة الظروف المناخية بها لاحتياجاته البيئية، علاوة على رخص وقلة تكاليف الأيدى العاملة بل هى الأقل على مستوى دول العالم مما يوفر لمصر ميزة نسبية كبيرة فى زراعته واستغلال منتجاته صناعيا، إلا أنه يوجد لمصر منافس شرس يقبع على حدودنا الشرقية وهو دولة الاحتلال الإسرائيلى والتى تزرع مساحات شاسعة من هذا النبات وصلت طبقاً لآخر الإحصائيات لما يقارب المائة ألف فدان، وبالتالى يجب الإسراع بزيادة المساحة المنزرعة من الجوجوبا حيث يزداد الطلب العالمى على زيت هذا النبات سنة بعد الأخرى حيث يصل المطلوب منه عالميا فى الوقت الحالى قرابة الـ 300 ألف طن زيت ما يجعل السوق العالمية واعدة أمام المنتج المصرى.
المردود الاقتصادى
• وهل نجحت مصر فى استغلال منتجات الجوجوبا؟
- حاليا تعتبر مصر من أفضل دول العالم استغلالا لمنتجات النبات حيث تم التوصل إلى نتائج رائعة لاستخدام زيت الجوجوبا فى مجال الطب والتجميل وإنتاج المبيدات الطبيعية وغيرها من المجالات، ويكفى القول إنه تم إثبات إن زيت الجوجوبا هو خامة دوائية مصرية جديدة وتم تسجيل وإنتاج ثلاثة أدوية وتسويقها منذ عام 2000 وحتى الآن وتم الحصول على براءات اختراع تسجيل مبيدات طبيعية من هذا الزيت، بالإضافة إلى التوصل إلى استخدامه كزيت المحركات والزيوت الصناعية وإضافتها وإنتاج الوقود الحيوي (سولار، بنزين) « فى قسم الميكانيكا بهندسة المطرية».
• وما المردود الاقتصادى على الدولة والأفراد من زراعته؟
- سبق وأوضحنا أن إنتاجية الفدان تصل إلى 300 كيلو بذور فى أول العمر الإثمارى عند 3 سنوات يباع كيلو البذور بسعر من 40 إلى 60 جنيها مصرياً وتستمر فى الزيادة السنوية للمحصول حتى يصل الى حوالى طن ونصف الطن بذور للفدان عند عمر ثمانى سنوات تنتج عند عصرها بمعاصر الزيتون العادية 750 كيلو زيت سعر الكيلو 150 جنيها، ومن هنا يتبين العائد الضخم الذى يتوقع الحصول عليه من زراعة الصحراء بهذا النبات علاوة على مساهمته فى حل مشكلة البطالة.
• هل يمكن التوضيح أكثر بأمثلة؟
- مثلا لو تمت زراعة مليون فدان فمعنى ذلك انها يمكنها استيعاب قرابة 200 ألف شاب على اعتبار خمسة أفدنة لكل شاب مع عائد بيع للمحصول الناتج من كل خمسة أفدنة يساوى ثلاثة أطنان من البذور على الأقل بمتوسط سعر للطن على أقل تقدير 30 ألف جنيه أى ما يعادل90 ألف جنيه فى السنة ولو ضربنا هذا الرقم في200 ألف فدان سيكون العائد ضخما جدا من بيع البذور فقط أى بيع المحصول كمحصول خام، فما بالكم لو بيع المحصول فى صورة زيت سنجد أن هذه القيمة ستتضاعف إلى أكثر من أربعة اضعاف والأرقام بالمليارات مما يساهم فى حل مشاكل البطالة وكذلك إمكانية استخدام الفائض من الإنتاج فى تحويل الزيت إلى وقود حيوى والذى يستخدمه الغرب كزيت للمحركات فى الطائرات النفاثة ومحركات الصواريخ نظرا لثباته وتحمله للحرارة العالية حتى 390 درجة مئوية، وبالتالى يمكننا إطالة عمر المحرك وأيضا إطالة فترة تغيير زيوت المحركات عن طريق إضافة زيت الجوجوبا بنسبة 50 سم إلى كل لتر من زيت المحرك المستخدم فيؤدى ذلك إلى تحويل الزيت الذى يتم تغييره بعد 5 آلاف كيلو مثلا إلى زيت يتم تغييره بعد 20 ألف كيلو ومن ثم يساهم فى حل مشكلة الوقود أو التقليل من استيراده.
• هل كل هذه الفوائد تم إثباتها علميا؟
- بالطبع، فهذا ما أثبتته دراسات وبحوث أجريت فى الجامعات المصرية وبراءات اختراع مسجلة بأكاديمية البحث العلمى، ولكن لسوء الحظ ونتيجة لعملنا كجزر منعزلة فإنه لا يستفاد من هذه البحوث على عظمتها وإمكانية مساهمتها فى حل مشاكل المجتمع.. وفى النهاية هذا نموذج واحد من نماذج كثيرة تقدمها الجامعات ومراكز البحوث لخدمة المجتمع المصرى والمساهمة فى حل مشاكله آملين أن يتم الالتفات إلى الجامعات بزيادة ميزانيات البحث العلمى بها وربطها بحل مشاكل المجتمع الذى وللأسف وطبقا لتقرير التنافسية الاقتصادية العالمية الأخير فقد احتلت مصر المركز 138 من 140 دولة على مستوى العالم من حيث ربط الجامعات بالمجتمع والاستفادة من المشاريع البحثية فى حل مشاكله مقارنة بإسرائيل التى تحتل أحد المراكز العشرة الأولى على مستوى العالم. •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف