المساء
محمد جبريل
ع البحري -خيانة الترجمة!
الانحياز مشكلة تعانيها الكتابات التاريخية. أوضح ما تكون في تناول التاريخ المعاصر والحديث. لأن الكاتب لم يبتعد عن الفترة التي جرت فيها الاحداث انتصر العقاد للوفد المصري بتأثير محبته لسعد زغلول. وعبر الرافعي عن وجهة نظر الحزب الوطني القديم. وجعل رفعت السعيد من اليسار عنصراً فاعلا في صياغة التاريخ المصري منذ عشرينيات القرن الماضي. الحصيلة المعرفية للقارئ تتيح له المناقشة والتحليل. والتفرقة بين الروايات الموضوعية وما أملاه الغرض. وعندما يصدر الكتاب مترجماً. فإن المترجم - ظني أنه لابد أن يكون متخصصاً - يعني بالغربلة. والتوصل إلي الواقعة التاريخية الحقيقية باعتبار قداستها وأن الرأي حر!
كنت أتصور أن ذلك ما سأتعرف إليه في ترجمة كتاب "بونابرت في الشرق الأوسط" ربما كان لأحمد يوسف مؤلف الكتاب بالفرنسية وجهات نظر في مادة كتابه. فعلي المترجمة الدكتورة أمل الصبان أن تتخلص من الشوائب. ولو بالإشارة إليها في هوامش الكتاب.. ورغم وصف الترجمة بأنها خيانة. فإن المترجم يستطيع أن يستكمل ما قد يعانيه الكتاب من نقص. أو خطأ في المعلومات.
أشار مقدم الكتاب د. أحمد زكريا الشلق إلي بعض الاخطاء الغريبة التي وقع فيها مؤلف الكتاب. ومنها أدعاء تحمس طه حسين للفرعونية.. تناسي كتاب طه حسين المهم "مستقبل الثقافة في مصر" والذي نسب فيه الثقافة المصرية إلي ثقافة البحر المتوسط.. والقول إن الأمريكان ساعدوا ثورة يوليو علي إصدار بيانها الأول. رغم ما وشت به تصرفات جيفرسون كافري السفير الأمريكي الأسبق من أن بلاده فوجئت بما حدث في القاهرة صبيحة الثالث والعشرين من يوليو. وعندما أعلن قيام الجمهورية. فقد كانت تلك هي الجمهورية الثانية في تاريخ مصر. أما الجمهورية الأولي فقد أسسها نابليون بمساعدة خليفته كليبر ومينو.. وجهة نظر استعمارية يصعب قبولها.. لا شأن للحملة الفرنسية بنظام حكم من أي نوع. لأنها كانت فترة احتلال. قضي عليها المصريون بتعدد الثورات ويتحدث المؤلف عن تورط زينب بنت الشيخ خليل البكري في علاقة آثمة مع ضباط فرنسيين. وعندما انسحب الفرنسيون لقيت حتفها علي يد الشرطة.. الرواية الحقيقية هي أن البكرية بدأت عشيقة لنابليون. فلما تخلي عنها نسجت علاقات مع ضباط الاحتلال وجنوده في معسكر الأزبكية وألقي المصريون القبض علي بنت البكري. وواجهوها - في حضور أبيها - بما فعلت. فتبرأ منها. وقطموا رقبتها. والتعبير للجبرتي.
إذا كانت الترجمة - في رأي البعض - خيانة. فإنها تصبح كذلك إن قصر المترجم جهده علي الترجمة من لغة إلي أخري.. المترجم الذي يحرص علي تبرئة علمه من تهمة الخيانة. يقرأ مادة الكتاب قبل أن يبدأ في ترجمتها. يناقشها في أثناء عملية الترجمة. يعود إليها متأملا عقب انتهائه. يتبين إن كان الكلمة هي الأصدق. والجملة هي الأدق في التعبير عن المعني الذي أرداه الكاتب.. إذا صادف ما يحتاج إلي التقويم والمراجعة وإيراد المعلومة الصحيحة. فإن ذلك هو ما يجدر به أن يفعله بواسطة الهوامش. فهي متاحة للمعلومة المكملة كما قدرها المؤلف. وهي متاحة كذلك للمعلومة الصواب التي تعالج ما قد يعانيه الكتاب من أخطاء في المعلومة التاريخية. وأخطاء اللغة.
الترجمة رائقة. أهملت المفردات والتعبيرات التي تجعل الترجمة جافة وتخلو من حس الصداقة. قوام العلاقة بين الكاتب والقارئ المشكلة في عديد الاخطاء التاريخية التي خشي المترجم تقريمها. حتي لايتهم بالخيانة!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف