هل سنبقى للأبد أوفياء للفرقة وأوصياء على الجهل، ننفق ما تيسر لنا من طاقة وجهد فى السقوط فى مستنقع الصراع المذهبى بين سنة وشيعة ومسميات أخرى، أو نرتعد وننتفض إذا ما اقترب أحد من طرح أفكار مغايرة لما ألفناه من أفكار وتراث دينى ويختلط علينا الأمر بين الدين وبين الفكر والاجتهاد والتفسير، الذى يحتمل الخطأ والصواب، ولكن ما نصدقه من أفكار لا يأتيها الباطل وغير خاضعة للنقد أو منزهة عن الخطأ وكأننا نساوى بين ما أنزل من عند الله وبين اجتهادات البشر لنبقى هدفاً للانقسامات والخسارات، فأمريكا وإسرائيل لم تدخرا جهداً لتشكيل وتقسيم العالم العربى إلى محورين متضادين، محور سنى ومحور شيعى ويبقى الصراع مستعراً وتضرب أمريكا بعقولها الصهيونية عصافير كثيرة، وبدلاً من ضرب إسرائيل لإيران الجامحة إلى امتلاك قوة نووية فلتضربها أيدٍ إسلامية وعربية وتضرم النار فى ثوابت ملتهبة وتستنزف السعودية ومعها قوة الجيش المصرى وتبقى إسرائيل قوة متفوقة.
الصراعات المذهبية لماذا نعيد إنتاجها وقد كانت صراعات بشرية على الحكم وتستثمرها أمريكا وإسرائيل لإعادة تشكيل خريطة الوطن العربى والإسلامى كما يريدون أن نكون، فالمؤكد أنهم لا يروننا إلا فى هيئة القبائل المتناحرة وكل قبيلة ترفع اسم الله والدين، كما يستثمر «داعش» التى تتوضأ بالإرهاب ثم تردد «الله أكبر».
ولا نخجل من إعادة إنتاج أفكار مذهبية ولا يرتجف لنا عقل، بحيث يحرضنا على ذبح هذه الطائفية حتى لا نذبح وتعلق جثة هذا الوطن على بوابات التاريخ ولا نتعظ من الهند مثلاً وبها مليار إنسان و150 إلهاً ويعبدون 800 عقيدة يتداولونها ونحن نعبد إلهاً واحداً وننتمى لدين واحد، ولكن نصر على إخصاء العقل وكأننا مفلسون من الإيمان، أثرياء بالمذهبية والانقسام التى استخدم فيها الدين لتشتعل الفتنة الكبرى منذ مقتل عثمان بن عفان على يد بعض المسلمين وليبدأ صراع ممتد لا ينوى إغلاق صفحاته التى تزداد ثقلاً. صراع على السلطة مغلف بالإسلام بدءاً بموقعة الجمل ثم موقعة صفين وما ترتب عليهما من صراع بين معاوية بن أبى سفيان وعلى ابن أبى طالب على الأجدر والأحق فيهما بتولى شأن المسلمين، وأصبح بعض أنصار «على» ابن عم الرسول، شيعة، وأنصار معاوية سنة، وهكذا ألبسنا هذا الصراع البشرى على السلطة الزى الدينى والقداسة والقدسية، وهى شهوة حكم فتحت للدماء انهاراً ما زالت جارية.
ويبدو أنها ستبقى مستمرة مع كل الأسى والخزى والعار وكأن بصيرتنا أصابتها غشاوة غير قابلة للعلاج، فلا نرى بوضوح وإن لم نجد الصراعات لاخترعناها.
أو نعيد إنتاج تكفير كل من يختلف ويجتهد ونوصد أمامه الأبواب ونغلق مسام عقولنا المغلقة على أوهامها ونقطع الطرق ونكيل الاتهامات، ونبتلى بتهمة جديدة فى القانون يسمونها «ازدراء أديان»، ونلصقها بمن قدم اجتهادات مفكرين سابقين ونعتبره معتدياً أثيماً، وتتوالى الافتراءات والتحريض ونقيم له شعائر مولد الذبح الحلال، ورغم الاختلاف مع أسلوبه الذى طرح به هذا الاجتهاد الذى يؤكد أن الرسول لم يحاول الانتحار ولم يمت مسموماً وأن الدين الإسلامى يحترم المرأة وأنها ليست للغريزة فقط، وأنه لا يجوز أن تتزوج وهى فى التاسعة، وأن الرسول لم يأمر بالعلاج بالبول وإرضاع الكبير وأن الصحابة لم يحاولوا هدم تماثيل الحضارة الفرعونية، وأن الإسلام دين سلام لا يأمر بالقتل وسفك الدماء، وأن الرسول لم يحرق ولم يذبح ولم يأمر بترويع الناس، وأن الإسلام لا يدعو لتكفير الآخر وقتل كل من يختلف أو يفكر، وأنه يحترم الأديان الأخرى، وأنه دين عقلى يحث على التفكير والتعقل لا على الاتباع، وأنه يحترم حرية الاعتقاد ولا يعاقب تارك الدين بالقتل، وأن الإسلام يدعو للعلم والتقدم والتفكر والتعامل مع الآخر والاستفادة من خبراتهم ويقدس حقوق البشر أجمعين فى حياة كريمة مهما اختلفت دياناتهم، وأن الإسلام دين لا وساطة فيه وأن علاقة العبد بربه مباشرة دون وسيط أو شيخ.. إذا كانت هذه الاجتهادات التى نقلها إسلام بحيرى ازدراء للإسلام فأعدموه.