الجمهورية
يسرى السيد
الثقافة هي سلاح المواجهة.. ومازال الغباء هو السيد بيننا!!
كتبت في هذا المكان الأسبوعين الماضيين: لا أعرف لماذا تصر الدولة علي محاربة التطرف والإرهاب بسلاح الأمن فقط وتتجاهل باقي الأسلحة المهمة الأخري في عملية المواجهة. أو بالأصح لا تولي باقي الأسلحة الاهتمام المطلوب حتي تضمن كسب المعركة بالضربة القاضية وتقضي علي أسباب العرض والمرض من جذوره ؟...قلت: نعم المعركة شرسة مع أعداء الداخل والخارج ويلزمها وجود أسلحة الإعلام والثقافة والتعليم علي خط النار إلي جانب المواجهة المسلحة... تحدثت الإسبوع قبل الماضي عن الإعلام والاسبوع الماضي عن التعليم.. واليوم أتحدث عن الثقافة ليس باعتبارها أحد أسلحة المواجهة مع الإرهاب والتخلف فحسب لكن باعتبارها الوسيلة المهمة لاقتلاع التطرف والارهاب والتخلف من جذورهم ... نعم الثقافة مثل التعليم والصحة من الصناعات الثقيلة التي تحتاج لأموال طائلة ولا تظهر نتائجها إلا بعد سنوات. لكن لا مفر منها خاصة وإننا لن نبدأ من الصفر لإننا نمتلك الكثير من المقومات لكننا نهدرها عن عمد أوپبدون قصد. بالإضافة أن كل مليم سينفق "بجد" علي الثقافة سيكون عائده بالمليارات بعد فترة.
في البداية علينا الاعتراف ان سبب البلاوي التي نعاني منها الآن هو تهميش العمل الثقافي وتسطيح الاعلام واضعاف التعليم.فرغم البني الثقافية الضخمة التي انشئت في السنوات الماضية لكنها كانت حجراً بلا بشر والاخطر من ذلك ترك الساحة خارجها سهلة لتيارات التطرف تزرع بذورها في البيئة الاجتماعية الصالحة لهذه البذور بعد ان تركتها الدولة ساحة جاذبة لهذه التيارات بالتخلي عن الوظائف الاساسية التي يريدها المواطن البسيط في حياته اليومية... تركت الحكومات المساجد لتتحول الي مراكز صحية وتعليمية واعلامية وثقافية من نوع خاص في ظل ازمات اقتصادية طاحنة جعلت الخدمات الحكومية في هذه المجالات شبه معدومة.. وهنا استغلت الجماعات الدينية الموقف وبدأت تبث سمومها مع هذه الخدمات لتكتسب ارضية تركتها الحكومات عن طيب خاطر او بقصد...المهم في الثقافة تكمن الازمة وتتجلي في تقطيع الحبل السري واواصر التعاون بين وزارات التعليم والاعلام والثقافة والاوقاف والشباب حتي لو دبجت البروتوكولات..وحتي لانظل نبكي علي اللبن المسكوب اتمني دراسة هذه الاقتراحات :
*اولا: انشاء مجموعة وزارية خاصة بالوعي والتثقيف والتعليم علي غرار المجموعة الاقتصادية مثلا.وتتكون هذه المجموعة من وزراء التعليم والثقافة والشباب والاوقاف وممثلين عن الاعلام ¢بعد غياب وزارته للابد¢ .. الخ من وزارات لها صلة مباشرة بالوعي العام للمواطن المصري. وتكون مهمة هذه المجموعة وضع استراتيجية شاملة تحدد فيها الواجبات والمسئوليات ويحاسب الوزير المقصر في حال عدم تعاونه او تقصير وكلاء ومديري عموم وزارته.. باختصار تعمل المجموعة الوزارية بمنطق واسلوب خطة الحرب. المتقاعس فيها يحاكم بتهمة الخيانة العظمي!!
* ثانيا : يدعو الصديق الكاتب الصحفي حلمي النمنم لمؤتمر ثقافي لوضع استراتيجية عامة للعمل الثقافي ببنود واضحة المعالم ومحددة الاهداف وفترات التنفيذ بعيدا عن الجمل الانشائية.
* ثالثا : بدء المواجهة ورفع حالة الاستعداد القصوي بلغة العسكريين والنزول للميدان اقصد للناس في كافة التجمعات الجماهيرية . فمثلما ذهبت الجماعات الدينية للناس في اماكنهم علينا الذهاب للناس في تجمعاتهم... في الشوارع والميادين.. في المقاهي والنوادي.. في المدارس والجامعات.. في المساجد والكنائس.. في المصانع والمتاجر.. هنا ستكون المواجهات الحقيقية وهنا ستكون ساحة الحرب والحرب هنا سلاحها الفكر والفن والابداع... هنا السلاح هو سلاح العقل والتفكير الذي يتقهقر امامه جحافل التخلف والتكفير...ولن يتم ذلك بامكانيات هيئة واحدة مثل قصور الثقافة ولا بامكانيات وزارة واحدة مثل الثقافة ولكن بامكانيات الدولة المصرية ككل...نعم بدأت وزارة الثقافة ممثلة في هيئة قصور الثقافة التحرك بقوافل ثقافية في الجامعات والمدارس وعلي المقاهي وغيرها. لكنها محاولات محدودة لا ترقي لخطة عامة مستمرة يصل من خلالها النشاط الثقافي والوعي الفكري الي كل بقعة في مصر.
* رابعا : وضع خطة عامة للترجمة الي العربية حتي نقدم للقاريء العربي أحدث ماصدر في العالم ويكون شرط الترجمة ان يكون العمل المترجم لم يمض علي صدوره أسابيع أو شهور قليلة حتي نقضي علي الفجوة المعرفية بيننا وبين الغرب وحبذا لو تم التنسيق مع بعض الدول العربية مثل دول المغرب العربي والكويت والامارات ولبنان التي لها باع وامكانيات في هذا المضمار حتي نوحد الجهود لان المستهدف هو المواطن العربي عامة.
* خامسا : لا يعقل ان تظل وزارة الثقافة والوزارات المعنية بعيدة عن لغة الفن التي تصل للجميع -أقصد السينما طبعا- وتاركة امرها في يد تجار اللحم الرخيص واصحاب فكر العشوائيات والقبح الاخلاقي.. ولمن نسي اقول ان الدولة المصرية في الستينات عندما كانت تنتج السينما الجادة كانت تحفز المنتجين علي المنافسة وكان المشاهد المصري بل والعربي هو الفائز... ومن مجال الانتاج الي قاعات العرض استغرب ترك المواطن البسيط بملاليمه نهبا للرأسماليين الجدد وكل ذلك والدولة تملك بلا حدود قاعات ومسارح بل وساحات في أندية الشباب والجامعات وغيرها يمكن تحويلها الي قاعات سينما بامكانيات محدودة حتي ننشر الوعي في كل مكان وبأقل الامكانيات.
* سادسا : لايمكن ان تحدث نهضة ثقافية بدون مسرح ومايحدث في بلادنا طوال السنوات الماضية امر يصل الي حد الخيانة والتأمر... لماذا ؟.. لدينا كتاب مسرح وتراث مسرحي عربي وعالمي ومخرجون وممثلون من مختلف الاجيال ومسارح وجمهور وامكانيات مادية متنوعة تصلح للمسرح الفقير والمسرح الغني ومع ذلك لايوجد مسرح الا نادرا... فزورة كبيرة اجابتها الوحيدة ان هناك مؤامرة علي المسرح ابو الفنون حتي لانخلق اجيالا تفكر !!
* سابعا : لااتصور بلدا مثل مصر لايوجد مثلها في العالم في امتلاك تراث من الفن التشكيلي.. من الفراعنة وحتي الآن مرورا بكل الحقب الحضارية المتوالية. ومع ذلك نجد جدران المباني والكباري والشوارع والميادين والحدائق والجامعات والمدارس بل والمصانع خالية من هذا التراث الذي يقضي علي القبح الذي تخلل مسامعنا في السنوات الماضية حين اصبحت القذارة والعشوائيات في السلوك واللغة والزي والمأكل وكل وسائل الحياة هي السائدة... تعالوا نتخيل الشوارع والميادين وجدرات المنشآت وكل شبر في مصر وقد تركناها لخيال والوان وتماثيل واعمال عشرات الالاف من طلاب الفنون الجميلة والفنانين وعشاق الجمال...فلا يمكن لمن تصافح عيناه الجمال والفن في كل مكان ان ينجرف الي اعداء الحياة او خفافيش القبح والظلام.... تعالوا نتخيل كل المباني في مصر وقد دهنت جدرانها ولا يمنح الترخيص المعماري الا مصحوبا بدرجة محددة للالوان بحيث يكون كل حي له لون او الوان محددة تحتمل البيئة من جهة وتنشر الجمال في النفوس......فلا يمكن لمن تصافح عيناه الجمال والفن في كل مكان ان ينجرف ابدا الي اعداء الحياة او خفافيش القبح والظلام.
* ثامنا : تعالوا نتخيل وجدان تلاميذنا بعد سنوات وقد درسوا في مناهجهم نجيب محفوظ ويوسف ادريس ويحيي حقي الي جانب شكسبير والابنودي وصلاح عبد الصبور وامل دنقل وصلاح جاهين الي جانب بودلير وغيرهم ودرسوا تماثيل مختار والسجيني ولوحات صلاح طاهر الي جانب دافنشي وغيرهم واستمعوا لموسيقي عبد الوهاب والسنباطي وبليغ حمدي الي جانب بيتهوفن وغيرهم.. فهل من درس كل ذلك وتذوقه يكون يوما ما متطرفا او متخلفا او ظلامياپ او كارها للحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف