الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
المستشار حافظ السلمي
عرفت الهيئة القضائية علي مدي السنوات الماضية قضاة يتسمون بالجرأة في اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام مثلما يتسمون بالعدل والثقافة العميقة. ونفاذ البصيرة. وعمق التفكير. ومن بين هؤلاء المستشار الجليل المرحوم حافظ السلمي شقيق الدكتور علي السلمي.. عرفته رئيساً لمحكمة طنطا الابتدائية في أواسط الثمانينيات إذ انتدب رئيساً لإدارة المحكمة وكنت وقتها رئيساً بالمحكمة ورئيساً للمكتب الفني والمتابعة بها.. قرب بيننا عشق الإطلاع وقراءة الكتب متنوعة الثقافة.
لقيته يوماً يمسك بكتاب للأستاذ خالد محمد خالد. فرحت حينها أن أجد واحداً من كبار القضاة يهوي القراءة خاصة لكتب الأستاذ خالد وكأني عثرت علي كنز من المعرفة زادت أواصر المحبة بيننا واستمرت حتي وفاته إلي رحمة الله تعالي..
نتبادل الكتب والأفكار. ونثير بيننا المناقشات الفكرية المتنوعة ونقرأ الأشعار ونهيم في دنيا الشعر ودواوينه.. هو أول من عرفني أن الشاعر الرومانسي حسين عفيف كان مستشاراً رأس التفتيش القضائي في السبعينيات كان يحفظ كثيراً من أشعاره.
يقدمني دائماً لأصدقائه وزملائه من الوسط القضائي وغيره أسمي مسبوقاً بكلمة "من كبار المثقفين في الهيئة".
أثناء رئاسته للمحكمة لم يكن جلوسه في مكتبه إلا لإنهاء الأعمال التي لابد أن تتم في المكتب أو مقابلة القضاة في المحكمة.. إنما كان همه الأكبر والأهم هو توفير السبل لسير العدالة وخدمة المتقاضي. وراحته وتمكين القضاة من أداء عملهم علي الوجه الأكمل.. يحل كافة المشاكل التي تقابلهم في العمل بدءاً من المراجع القانونية والتوجيهات العلمية حتي فرش غرف المداولة وتهيئتها لراحة الزملاء.
أول شيء يبدأه عند دخول مبني المحكمة في الصباح اصطحاب المعاون ورؤساء الأقلام في المرور علي المكاتب للوقوف علي انتظام العمل مع الجمهور. وكان غريباً علي كل من حوله اهتمامه بنظافة المحكمة خاصة ما يخص المتقاضين مؤمناً بأن راحة المتقاضي واحترامه شيء هام لاكتمال العدالة.
يراجع بنفسه كل خطاب بخرج من مكتبه ويعلم مدير مكتبه بالكتابة لغة عربية صحيحة وتكون خطاباته إلي الإدارات قطعة أدبية.
قرأت له مقالات عديدة بمطبوعات جمعية خريجي حقوق الإسكندرية إذ كان سكرتيراً لها كما قرأت له أحكاماً بالعشرات حين كان رئيساً لمحكمة الجنايات يستمتع قارئها لها بأسلوب جزل وتعبيرات رشيقة جميلة تحمل مبادئ قانونية وقضائية تتعلم منها الأجيال وحرص الكثير من الزملاء والأساتذة القضاة علي استعارة هذه الأحكام مني لتصويرها والاستفادة منها.
زرته في بيته بالإسكندرية لأجد لديه مكتبة ضخمة تحتل مكاناً واسعاً بالدور الأرضي من فيلته. ظلت العلاقة بيننا يعمقها الإخلاص ويدعمها الحب وتقيمها الثقافة وظلت مهاتقي له في§ صباح كل جمعة شيئاً دائماً بلا انقطاع حتي جاء اليوم الذي لم يرد فيه عرفت أنه كان بالمستشفي بالعناية المركزة.. رحمه الله رحمة واسعة وجعله نموذجاً حياً وفاعلاً في طريق القضاة ينهلون من تراثه ويسيرون علي دربه في الثقافة والفكر والعدالة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف