مصطفى شفيق
من قلبى .. السعودية – إيران توترات تاريخية وتدخلات خارجية
الصراع بين الديانات فى المنطقة... وبين العقائد المختلفة حتى داخل الديانة الواحدة يخدم يهودية دولة إسرائيل
الأزمة السعودية الإيرانية الحالية ليست الأولى بين البلدين... ولن تكون الأخيرة... فمنذ اندلاع ثورة آيات الله فى إيران لم تخمد نار الخلافات بين البلدين... وطبيعى أن تأييدنا المنطقى كمصريين للموقف السعودى ينطلق من تميز العلاقات الأخوية بين الشعبين التى وصلت فى بعض تفاصيلها حد المصاهرة... والمواقف المتبادلة بين حكومات الدولتين فى القضايا العربية... والإسلامية... والدولية... إلا أن ذلك التأييد لا يمنعنا من إلقاء نظرة على الأزمة الأخيرة من منظور تاريخى... وآخر دينى... لا يبرر للمملكة العربية السعودية إعدام النمر... ولا يعطى لإيران الحق فى التدخل فى الشأن السعودى... لكنها نظرة فى إطار ما تمر به المنطقة من توترات... وأزمات... وما يراد بالمنطقة من عدة قوى خارجية وإقليمية لتحقيق أهداف استراتيجية... إيران هى قبلة الشيعة... تدافع عنهم وتعتبرهم رعاياها... سواء كانوا فى إيران أو خارج حدودها... وطهران لا تعترف بجنسيات الشيعة... ولا بسيادة دولهم عليهم... ولا بالقوانين الدولية التى تمنع التدخل فى الأمور الداخلية للدول... واحترام سيادة الحكومات... وحقوقها على رعاياها... وهذا التوجه تغذيه أمريكا سرا... وعلنا... وتتخذ حياله مواقف تتفق مع الميوعة الأمريكية إذا أرادت أن تتخذ موقفا مؤيدا لأحد طرفى أزمة تربطها بهما مصالح ولو مؤقتة... أو لو أرادت الحفاظ على الأزمة مشتعلة تحقيقا لأهداف أبعد... وهى الحالة فى الأزمة الحالية... إذ خرج كيرى يطالب الدولتين باتخاذ الحوار طريقا لحل الأزمة ولم يتطرق للتدخل الإيرانى فى الشأن الداخلى للسعودية... وهو الأمر الأولى من مسئول السياسة الخارجية فى دولة تعتبر نفسها راعية الشرعية الدولية... المهم أن الصراع بين الديانات فى المنطقة... وبين العقائد المختلفة حتى داخل الديانة الواحدة يخدم يهودية دولة إسرائيل... ... ومعظم الصراعات المتأججة يقوض الاستقرار لحساب دولة إسرائيل اليهودية الكبرى... وهى دولة مازالت موجودة فى عقول قادة إسرائيل... وعلى جدران الكنيست نفسه... والحكومة الإسرائيلية لا تكل ولا تمل من مطالبة العالم بالاعتراف بيهوديتها... ومؤخرا وصف أوباما إسرائيل بأنها دولة يهودية... والحقيقة أن إسرائيل فى الواقع... وفى الممارسة دولة يهودية... لكن هناك فارقاً بين ما هو واقع وبين الاعتراف الذى تسعى له إسرائيل فى الأهداف الأبعد نظرا... وحتى تتحقق رغبة إسرائيل لا بد من إيجاد المبرر العقائدى فى المنطقة... هذا المبرر هو الذى دفع أمريكا لتقديم العراق السنى إلى إيران الشيعية لتأجيج الصراع الدينى والطائفى... وليتمكن الإعلام الصهيونى من الحديث بشكل أوسع عن دول شيعية... وأخرى سنية... وواحدة مارونية... والأخرى علوية... ويصبح منطقيا الحديث عن دولة يهودية... وتكون هذه الدولة اليهودية محاصرة... ولها الحق فى تأمين حدودها... واحتياجاتها... وأهمها المياه.
أما تاريخيا... تتعامل إيران مع اقتحام السفارة السعودية وكأنه الجهاد الأكبر... ففى 1987 اقتحم المتظاهرون الإيرانيون مقر البعثة الديبلوماسية فى طهران... واحتجزوا عددا من الدبلوماسيين... واعتقل الحرس الثورى القنصل السعودى رضا النزهة بعد الاعتداء عليه... ومات دبلوماسى آخر من أسرة الغامدى السعودية العريقة... واضطر الملك فهد إلى اتخاذ قرار بقطع العلاقات الدبلوماسية للمرة الأولى مع إيران عام 1988... وسرعان ما عادت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين عام 1991... قبل هذه الحادثة بعام واحد... وفى1986 اكتشفت السلطات الأمنية السعودية مادة شديدة الانفجار فى حقائب مجموعة من الحجاج... وكانت الكمية المضبوطة تكفى لنسف الكعبة المشرفة... ومؤخرا سقط عدد من القتلى بين الحجاج الإيرانيين فى حادث التدافع فى منى... وزاد التوتر بين البلدين وطالبت إيران بتحقيق دولى... وبإخضاع المشاعر المقدسة للإشراف الدولى من خلال منظمة التعاون الإسلامى.
وزاد التوتر فى علاقات الدولتين بسبب موقف كل منهما من الأزمة السورية... ومن الصراع فى اليمن... وكلتا الأزمتين صناعة خارجية فى إطار محاولات إعادة ترسيم الحدود... وتفكيك دول المنطقة... وهى خطة صنعتها أمريكا... وحتى نعرف مدى التورط الأمريكى فى الأزمات بين الدولتين... نعود للإعلان الأمريكى فى أكتوبر 2011 عن إحباط مؤامرة تخريبية... إيرانية لتفجير السفارة السعودية فى واشنطن... واغتيال السفير السعودى آنذاك عادل الجبير الذى أصبح حاليا وزيرا لخارجية المملكة... ويبدو أن هذا الاتهام – سواء صح أو كذب – كان يهدف لخلق عداء بين إيران والعالم الاسلامى الذى يكن للسعودية مكانة فى الوجدان... فيزيد الضغط على إيران فى المسألة النووية... وحتى هذه المسألة سارت إلى المفاوضات التى انتهت باتفاق على استمرار البرنامج النووى الإيرانى دون تطمينات كافية للجانب السعودى.
لا شك أننا فى مصر... حكومة وشعبا نؤيد السعودية وندعم موقفها فى الأزمة الأخيرة... لكنى أفضل أن تجنح الدولتان إلى السلم... وأن تتخذ طريقا أكثر تساهلا فى الأزمة الأخيرة... دون إفراط فى التسامح... ولا تنازل عن حق أو سيادة ونذكر بموقف الراحل العظيم الملك فهد بن عبد العزيز عندما هنأ الرئيس الإيرانى المعتدل محمد خاتمى عندما فاز فى الانتخابات الرئاسية عام 1997... وبزيارة خاتمى للمملكة عام 2001 ... تلك الأفعال مهمة لوأد الفتنة... وتفويت الفرصة على مخططى الخراب... ولو كانوا من الحرس الثورى.