عباس الطرابيلى
محاصيل.. مواسم للزواج والأفراح
في حياة الشعوب محاصيل زراعية، أو صناعية. أو حيوانية تمثل الثروة والوفرة.. فيها يتزوج.. ويحتفل.. وينعم.
مثلاً الصعيد الجواني من المنيا وحتي قنا والأقصر يحين الآن موسم «كسر القصب» أي جني محصول القصب، الذي هو الذهب المصفي: سكر، أو عسل أسود أو حتي قصب للتحلية.. وكلها مراحل توفر فرص عمل عديدة للصعايدة.. ويا بخته من يملك خمسة قراريط يزرعها قصباً.. وقد نمت وزادت زراعة القصب أيام الخديو إسماعيل عندما اتبع سياسة جده محمد علي باشا فاهتم بزيادة الأرض التي تزرع بالقصب كما اهتم بإنشاء العديد من مصانع السكر.. وانتشرت مصانع انتاج العسل الأسود، أفضل غذاء للمصري مع الطحينة!! وما سياسته بحفر الترعة الإبراهيمية وغيرها وبدء بناء العديد من القناطر إلا من أجل عيون هذا القصب.. والقطن أيضاً.
** وأخيراً وافقت الحكومة عن زيادة سعر تسليم الفلاحين للقصب لمصانع السكر، المنتشرة حتي الجيزة، عند الحوامدية، والصعيدي يجد في هذا المحصول الخير العميم لكي يزوج أولاده.. وبناته. وتتحول أيام كسر القصب وتوريده إلي أعياد حقيقية.. فهو الخير العميم ورحم الله عبدالرحيم الغول أكبر مدافع عن مزارعي قصب السكر.
وفي المقابل ـ في الوجه البحري ـ نجد أن موسم جني القطن كان هو موسم الثروة والأفراح.. وزهرت ياورد النيل.. فإذا كانت الدول البترولية حولنا تطلق علي البترول اسم «الذهب الأسود» فإننا في مصر نطلق اسم الذهب الأبيض علي القطن.. عندما كان القطن هو أفضل محصول في الوجه البحري فمن لا يتزوج من إيراد زراعة القطن لا يتزوج أبداً.. وهذا بالطبع كان قبل أن يفقد القطن عرشه بسبب سوء السياسة الزراعية المصرية علي مدي نصف قرن..
** ومن مواسم المحاصيل الذهبية أيضاً موسم حصاد الكركديه في القري جنوب مدينة أسوان.. وهو ينافس الكركديه السوداني.. وكان موسم الكركديه - في جنوب أسوان - لا ينافسه إلا موسم جني وتجفيف البلح، أي التمور في قري النوبة القديمة ومن أشهر أنواع البلح الجاف هناك: الإبريمي نسبة لقرية إبريم.. والسكوتي والبرتمودة.. وكان موسم البلح الجاف هذا ـ ومعه موسم الكركديه أفضل مواسم العام للأفراح والليالي الملاح.. وهو شبيه بموسم جني وتعبئة التمور في سيوة وواحات الوادي الجديد.. الذي يتم تصدير بعضه للخارج.
** ومحصولان ذهبيان أيضاً أولهما موسم جني الفول السوداني سواء في محافظات الشرقية والصعيد ـ وقبلهما ـ يتم تسويق الفول الأخضر البلدي والرومي.. وكذلك فول التدميس قبل أن نعتمد علي استيراد هذا الفول من كندا في أقصي الغرب إلي استراليا في أقصي الجنوب الشرقي.. وموسم جني الفول أيضاً من مواسم الزواج في مصر..
ولا يمكن أن ننسي موسم جني محصول الزيتون من سيناء في أقصي شمال شرق مصر إلي الفيوم علي حواف الصحراء الغربية مع الدلتا وأيضاً في سيوة والواحات.. وهو محصول غني للغاية.. ولا أعرف لماذا لا نهتم به، كما تهتم شعوب أخري به مثل فلسطين والأردن ولبنان.. إلي تونس ثم إسبانيا وإيطاليا واليونان لأنه من محاصيل الغنية والغالية.. ذات العائد الكبير، الذي يجبر زراعيه علي تأجيل زواج الأبناء والبنات.. في موسم هذا الزيتون.
أما في رشيد وأدكو ومنطقة السنانية في دمياط فهناك موسم جني البلح الأحمر والزغلول والأسود أي الرطب والحياني وبنت عيش والسماني.. وكلها من أجود الأنواع التي تصلح للتعليب والتصدير وكان أهل سنانية دمياط لا يزوجون أولادهم.. إلا في موسم البلح ومعه موسم الجوافة والليمون البلدي البنزهير وهي محاصيل تنضج معاً، في وقت متقارب.
** ومازال الدمايطة ـ وأهل عزبة البرج والشيخ درغام أمام رأس البر - يترحمون علي أيام موسم صيد السورين الذي كان يستمر من آخر يوليو إلي آخر نوفمبر.. وكان يتم نقله حمولات سايبة بسيارات النقل لوفرة محصوله.. وكان ذلك - زمان - من أهم أيام الأفراح والليالي الملاح. ولكن هذه كانت أيام دخلت التاريخ وخرجت من الجغرافيا.