مؤمن الهباء
شهادة -الأزهر .. والإرهاب الفكري
* حسناً فعل الأزهر الشريف عندما أعلن أنه لن يرفع دعوي قضائية ضد سيد القمني.. وأرجو أن يظل متمسكاً بهذا الموقف.. ليس ضعفاً ولا تهاوناً. ولا خوفاً من المواجهة.. وإنما ترفعاً وتعالياً فوق الصغائر.. خصوصاً أن اللعبة صارت معروفة ومكشوفة.. كل من أراد أن يلفت الأنظار إليه يتقافز علي أكتاف الأزهر.. ويأتي بكل غريب وعجيب. حتي يصبح مادة للجدل علي ألسنة الناس.. وتخلع عليه الجوقة إياها من الألقاب ما يرضي غروره.. فهذا مفكر. وهذا مجدد. وذاك رائد للتنوير.
وما جاء به سيد القمني ضد الأزهر خطير ومهين.. وغير مسبوق في فجاجته.. وهو لا يستطيع أن يوجه شيئاً منه لأي مؤسسة أخري دينية أو غير دينية.. فقد أعلن في برنامج تليفزيوني أنه ومن معه سوف يرفعون دعوي قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة يطالبون فيها بإدراج الأزهر كمنظمة إرهابية.. مؤكداً أن هناك من "يشتغلون" علي هذا الأمر.. ويقومون بجمع توقيعات.. وأنه شخصياً يتولي تجهيز أدلة الاتهام التي تثبت تورط الأزهر في تصدير الإرهاب إلي العالم.
تَبَّت يدا سيد القمني. ومن معه.
إنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً.
بالأمس كان إسلام بحيري. يخوض في إهانة الأزهر وعلماء الدين ابتداء من البخاري.. ليس بلغة العلم. ولا بأدواته. وإنما بلغة التشهير والسب والقذف.. ووجد من يسانده ويبرر له ويسكت علي إهاناته.. وعندما رفعت ضده دعوي قضائية من أحد المحامين ـ وليس من الأزهرـ وحكم القضاء بحبسه خمسة أعوام. ثم خففت في الاستئناف إلي عام واحد. قامت الدنيا ولم تقعد.. وخرج المدافعون عن الدولة المدنية واحترام القانون والداعون إلي عدم التعليق علي أحكام القضاء. يستنكرون الحكم ويهينون القانون. ويسيئون إلي القضاء.. وأظهروا في ذلك ازدواجية مقيتة.
واليوم تطاول سيد القمني علي الأزهر منتشياً بغرور مريع.. حيث قال طبقاً لما ذكرته "عقيدتي": "محاكمة.. لأ.. ما حدش يحاكمني. لأني هاقلب عليهم الدنيا.. وأقلب عاليها واطيها.. والجدع ييجي ياخدني".
يا إلهي.. ما سر قوة هؤلاء الناس. وغرورهم؟!!.. مَن الذي يحميهم. ويستقوون به إلي هذه الدرجة من التحدي للقانون والدولة والمؤسسة القضائية؟!!
لو أن أحداً غير سيد القمني قال بعضاً مما قاله لانتفضت مصر كلها ضده.. وانهال عليه ثوار التوك شو تقطيعاً وتمزيقاً.. "هوه ابن مين دا في مصر"؟!!.. لكن لأنه من نفس الجوقة.. وخطوطه مفتوحة.. سكت الجميع.. ربما موافقة لما قال.. والسكوت علامة الرضا.. وربما انتظاراً لوضوح الرؤية ومعرفة اتجاه الريح.. وربما انتظاراً للأوامر والتعليمات.. بل إن هناك من تطوع بالكتابة لتبرير ما قاله القمني وتمريره!!
علي العموم.. هذه الازدواجية ليست جديدة علينا.. بالأمس كان الهجوم علي البخاري. وشيوخ الأزهر.. واليوم صار الهجوم علي الأزهر كمؤسسة.. ومَن يدري ربما يكون الهجوم غداً علي الإسلام نفسه. واتهامه بأنه دين الإرهاب.. وكله باسم حرية الفكر. والرأي والتعبير. وتجديد الخطاب الديني!!
الحقيقة أننا نفتقد إلي المعيار الواحد الذي يطبق علي الجميع.. ونفتقد الكتالوج الواحد الذي يجب أن يسير عليه الجميع بلا تمييز.. حتي لا يبيح كل فريق لنفسه ما يحرمه علي الآخرين.. يتحدث اليوم بلسان يدافع عن القانون والقضاء. ثم يناقض نفسه غداً ويهاجم القانون والقضاء إذا كان القانون في غير صفه.. بل ويمارس أسوأ ألوان الإرهاب الفكري.
لو لم أكن مصرياً من طينة هذه الأرض. لاستغربت الأمر وصُدمت.. لكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن ندركها جيداً.. حتي يأذن الله بتغييرها: "إن الله لا يغير ما بقومي حتي يغيروا ما بأنفسهم".