الوطن
د. محمود خليل
الدرس الكورى
أعلنت كوريا الشمالية أنها أجرت تجربة، وصفتها بالناجحة، لتفجير قنبلة هيدروجينية. الأمر بالطبع لم يمرّ مرور الكرام على دول الغرب التى أبدت ردود أفعال تدين الخطوة. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة كوريا الشمالية إلى وقف كل أنشطتها النووية. مصر علقت أيضاً على الأمر، حيث أعرب المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد أبوزيد، عن قلق مصر تجاه ما أعلنته كوريا الشمالية من إجراء أول اختبار لقنبلة هيدروجينية، مشيراً إلى ما يمثله هذا الإجراء من تهديد جديد لنظام منع الانتشار النووى، وإضعاف لجهود ترسيخ عالمية معاهدة منع الانتشار النووى وتعزيز دورها فى حظر انتشار الأسلحة النووية ودعم السلام والاستقرار العالمى!.

لم تأبه كوريا الشمالية بردود الأفعال الغربية على تجربتها، ولو كانت تأبه لما وصلت إلى ما وصلت إليه، وبالتالى فقد تركت الولايات المتحدة تندد حيناً، وتشكك حيناً آخر فى قيامها بالتجربة، ولم تكترث لردود أفعال بريطانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية، والأرجح أنها لم تأخذ بالها -أصلاً- من رد الفعل المصرى، الذى كنت أتعشم أن تكون إسرائيل حاضرة فيه. اكتفى «أبوزيد» فى تصريحه بالتأكيد على ضرورة وضع جميع البرامج والأنشطة النووية تحت إشراف نظام الضمانات الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنصوص عليه فى المعاهدة، دون تمييز أو استثناء. الكلام شديد العمومية، وقد تمنيت أن يذكر إسرائيل -عدونا القريب- صراحة، ودون مواربة. فمنذ مدة طويلة تمتلك إسرائيل ترسانة نووية، وترفض أن يخضع برنامجها النووى لأى نوع من التفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن إسرائيل لم توقع على اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل التى وقّعت عليها مصر فى الستينات.

كلنا متفقون على ضرورة تنظيف العالم من الأسلحة النووية، لكن ثمة دولاً مثل إسرائيل ترفض ذلك، فتعطى الذريعة لغيرها بعدم الانصياع لنظام دولى يكيل بمكيالين. الالتزام بأفكار وتوجيهات مجتمع دولى يكيل بمكيالين أمر غير منطقى، ذلك هو الدرس الذى أدركته كوريا الشمالية. فعندما يعجز الغرب والأمم المتحدة عن إقناع دولة مثل إسرائيل بالخضوع لتوجهات ومقتضيات النظام الدولى، فعلينا ألا نعول على قدرته على إقناع دولة مثل كوريا الشمالية بالتراجع عن برنامجها النووى، وعلينا أيضاً أن نتفهّم أسلوب الجعجعة الذى يتعامل به مع الحدث، والذى يعبّر عن قلة حيلة وعجز عن اتخاذ أى قرارات تؤدى إلى التقليل من إصرار كوريا على دخول النادى النووى، واللعب على معادلة «توازن الرعب النووى».

نحن نعيش فى عالم لا يجيد سوى لغة القوة، عالم لا يعترف بالنوايا الحسنة، والأخلاق النبيلة، عالم يزن كل دولة بعناصر القوة التى تمتلكها ليس أكثر، وأى دولة تريد أن تجد لنفسها موقعاً بارزاً على خريطة العالم لا بد أن تفهم أن «الأنياب» أصبحت ضرورة حتى تستطيع أن تحمى أمن شعبها. أجد أن مصر أحوج ما تكون إلى استيعاب الدرس الكورى، وهى تواجه الآن العديد من التحديات التى تمس أمنها القومى فى الصميم. علينا أن نستوعب أن العالم أميل إلى الالتزام مع من يرهب، وأجنح إلى تجاوز الدول التى تتغنى بالكلم الطيب والمحبة!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف