أمينة النقاش
عندما تكون التهمة الغلط فى البخارى
بحثت فى بعض الكتب، وبعض المواقع الإسلامية عن معنى التعبير الشائع : هو أحنا غلطنا فى البخارى يا أخى، فتبين أن كثيرين من العامة يظنون أن البخارى نبى من الأنبياء، وبعضهم يعتقد أنه ولى من أولياء الله، وآخرون يحسبون أنه القرآن الكريم، وهو تعبير يبرر به قائله أن النقد الذى يوجهه لشىء ما أو لشخص ما، هو نقد لشىء بشرى غير مقدس. وتقديس البخارى لم يقتصر على العامة وحدهم، بل انتقل منهم إلى دهماء الدعاة والرواة والمفسرين وبعض أساتذة علم الحديث، وشيوخ الأزهر الذين يصفون البخارى بأنه «أمير المؤمنين فى الحديث» ويعدون كتابه صحيح البخارى، هو أصح كتاب بعد كتاب الله، وتلقته الأمة سلفا وخلفا بالقبول كما يقول الدكتور «أحمد عمر هاشم» الرئيس السابق لجامعة الأزهر وعضو لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف ، وهو تعميم غير صحيح، إذ تحفل المكتبات العربية من المغرب إلى المشرق العربى بكتب لعلماء وباحثين فى الشأن الإسلامى ورسائل جامعية، تتناول بالنقد الموجع كتاب «صحيح البخارى» وبعضها يصفه بأنه جناية على الإسلام والمسلمين، بما ينطوى عليه من قلة فى العلم ، وضعف الرواة الذين نقل عنهم الحديث ، ومخالفة بعض ما ورد به للسيرة النبوية الشريفة، ولأصول الشريعة، ومخالفته للعقل السليم ومجافاته للفطرة السليمة، مثل ما نسبه للنبى عليه السلام أنه يأمر الناس بترك الذبابة التى تسقط فى إناء طعامهم وغمسها فيه وأكلها، بحديث مشكوك فى صحته، يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم، فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن فى إحدى جناحيه داء، وفى جناحه الآخر شفاء»!
وفى كتابها» فى نقد البخارى» الذى «كان بينه وبين الحق حجاب» قالت الباحثة المغربية «خديجة البيطار» أن الإمام مالك رضى الله عنه أمتثل لقول الرسول الكريم « إياكم وكثرة الحديث عنى « فجاء كتابه «الموطأ» مركزا عل أهم أحاديث أصول الدين ، وهى لم تتجاوز 900 حديث، وخالف البخارى هذا القول فجمع فى صحيحه آلاف الأحاديث، وكان معظمها مكذوبا متناقضا، يروى الحظر والإباحة فى الموضوع الواحد. وبعد أن درست الباحثة كتب معظم الفقهاء والأئمة ، وقارنت بينها وبين صحيح البخارى، انتهت إلى القول إن عددا هاما لا يستهان به من علماء الحديث، قد توصلوا إلى أن البخارى ومسلم ليسا من قبيل الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن فيهما عدد هام من أحاديث غير الصحيحة والمعلقة والموقوفة والمدلسة والمرسلة، كما أن صحتهما محدودة للغاية. بينها حديث خلقت المرأة من ضلع أعوج، وآخر يحلل الختان، ونكاح المحرم، ووجوب العقيقة ، وأخذ الدواء ببول الإبل، وغيرها من الأحاديث التى يأبى المسلم الحق أن تنسب إلى دينه وإلى نبيه الطاهر الأمين ذى الخلق الكريم.
وتفسر الباحثة ما أن انتهت إليه من نتيجة من أن كتاب البخارى غير مقدس ، ولا يصح اعتباره ثانى كتاب بعد كتاب الله عز وجل، بأن الرسول عليه السلام توفى عام 11 للهجرة ، وتولى الخلافة من بعده سائر الخلفاء الراشدين ، وقامت الدولة الأموية على امتداد 91 عاما من سنة 41 إلى سنة 132 للهجرة ، ومن بعدها الدولة العباسية، حيث ولد البخارى فى عهد الخليفة العباسى السادس، فإذا كان كتاب البخارى مقدس، وأنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم، فهل كان جمهور العلماء وجموع المسلمين الذين عاشوا فى الفترة من العام 11 إلى العام 200 للهجرة قبل ان يولد البخارى، من الخلفاء والأئمة، أقل إسلاما ودينا ممن ولدوا بعد مولد البخارى وظهور صحيحه، وهل دخلوا جهنم لأنهم لم يقرأوا صحيح البخارى؟. وأظهرت الباحثة المغربية أن العلماء كتبوا فى عصر البخارى فى أمهات الكتب أن البخارى يعد رمزا لفقه التطرف واللاعقل فى الإسلام. فقد عمل فى صحيحه على إعدام مبادئ الشورى والتنوير التى نصت عليها السنة والكتاب، كما عمل عل نشر أحاديث الخوارج والغلاة الذين كانوا يسبون فى المنار، ونشر الإسرائيليات، وعارض بعداء مقيت حقوق المراة التى أقربها الشرع الصحيح الذى عارضه.
هذه الأسئلة المنطقية التى ردت عليها الباحثة المغربية خديجة البيطار، وأجابت عليها من كتب للتراث الإسلامى اضاءت بنورها عصور الظلام فى القرون الوسطى فى أنحاء المعمورة ، مستعينة بذلك بفهم صحيح للدين ، يفتح فيه الإسلام باب الاجتهاد واسعا حين يعطى أجرا للمجتهد المخطئ تشجيعا له على الاجتهاد، كى يمتلك الفقه الإسلامى القدرة على مواكبة العصر، تفسيرا لما أكده المفكر الإسلامى جمال البنا، بأن أى نص جاء به الإسلام، سواء فى القرآن أو السنة، لم يوضع عبثا إنما جاء لحكمة ومصلحة، وقد كانت هذه الحكمة قائمة عندما نزل النص، ولكن يحدث أن تستجد أوضاع جديدة ، تنتفى منها الحكمة، وعندئذ ينتفى النص، لأن المصلحة تصاحب الحكم إيجابا وسلبا. وهذا هو بالضبط مفهوم التجديد الإسلامى، الذى قال عنه الرسول الكريم «إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها».
لم يفعل إسلام البحيرى غير ما فعلته الباحثة المغربية الجسورة خديجة البيطار. لم يقترب أى منهما من الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة ، قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، بل اجتهدا فى النصوص الظنية الثبوت والاحكام التى لم يرد بها إجماع، باستخدام أدلة عقلية كالقياس والاستحسان، وهى مجالات واسعة للاختلاف بين الفقهاء والدارسين والعلماء. لكن ذلك لم يشفع لهما ، فتكتلت القوى المتمترسة بخطاب عصور الانحطاط والظلام لتكفر الباحثة المغربية، فيما أقتادت نفس هذه القوى إسلام بحيرى إلى السجن ليقضى عاما بتهمة غائمة المعالم تسمى فى قانون العقوبات إزدراء الأديان، وتستعد تلك القوى لملاحقة الدكتور سيد القمنى بتهمة مماثلة!
لا قداسة فى الدين لغير الله عز وجل وللقرآن الكريم، وماعدا ذلك من فقه إسلامى، اجتهادات بشرية تخطئ وتصيب واضفاء القداسة عليها تكريس للطغيان باسم الدين، فإذا ما تم التنكيل والملاحقة لمن يقولون ذلك فكلنا إسلام بحيرى وخديجة البيطار.