المساء
محمد جبريل
من المحرر- الكتابة
أكاد أتصور أن الكتابة خلقت من أجلي. قبل أن أخلق أنا للكتابة. لا أتصور نفسي في غير الكتابة. وفي غير القراءة والتأمل وتسجيل الملاحظات والابداع. الكتابة عندي جزء من حياتي اليومية جزء من تكويني الجسدي والنفسي. وهي مثل احتياجات الانسان الضرورية مثل الطعام والجنس والنوم والحرية.
بدأت في المعايشة والملاحظة والاختزان من سن باكرة للغاية. ربما لأني كنت مهموماً بكتابة القصة في تلك السن. لم أتعمد أي شيء. لكن ما أختزنه ـ دون تعمد ـ من قراءات. وتجارب لي. وتجارب للآخرين. ورؤيات وخبرات وملاحظات يظهر في لحظة لا أتوقعها أثناء فعل الكتابة. ثمة مشكلة أو مشكلات تلح علي وجدان الكاتب وتبين عن ملامحها في مجموع أعماله. هذه المشكلة أو المشكلات هي محصلة خبرات شخصية وتعرف إلي خبرات الاخرين. وقراءات وتأملات يحاول التعبير عنها من خلال قدرة إبداعية حقيقية.
حتي الآن. فاني أستعير من توماس هاردي قوله. في إجابته عن السؤال عن فلسفة الحياة في أعماله. بأنه ليس له فلسفة بعد. وإنما هي كومة مختلطة من الانطباعات. مثل انطباعات طفل حائراً أمام عرض سحري. أنا أحاول أن أفيد من قراءاتي. وخبراتي. وخبرات الآخرين. صوغ وجهة نظر متكاملة.
لعلي أزعم أن عالمي الابداعي يتألف من "تيمات" أساسية يدور حولها ما أكتبه من رواية وقصة. من يريد تناول أعمالي. أو حتي يكتفي بقراءتها. أن يقرأ كل هذه الاعمال. مجموع ما كتبت. ثمة وجهات نظر. نظرة شمولية إطار عام أحاول أن أعبر ـ من خلاله ـ عن فلسفة حياة مكتملة. بالإضافة إلي محاولات التجريب تقنياً. ربما أعدت تناول التيمة الواحدة في أكثر من عمل. لا يشغلني التكرار بقدر ما يشغلني التعبير عما أتصوره من أبعاد فلسفية حياتية.
وطبيعي أن نظرة الكاتب إلي الهموم التي تشغله. موقفه الكامل منها. يصعب أن تعبر عنه قصة واحدة أو قصتان. لكننا نستطيع أن نجد بانورامية نظرة الفنان في مجموع أعماله. وفي كتاباته وحواراته التي تناقش تلك الاعمال. لذلك فان الكثير من أعمالي تنويع علي لحن سبق لي عزفه في أعمال سابقة. وربما مهدت لعمل ما بعملين أو ثلاثة. أعتبرها إرهاصاً لذلك العمل. أو أنها استكمال له. إني أفضل أن أقرأ كعمل كلي. وليس كأعمال منفصلة. أن يقرأ الناقد مجموع أعمالي ويتأمل دلالاتها المنفصلة ودلالاتها الكلية. يحاول أن يتعرف فيها إلي فلسفة حياتي إلي نظرتي الشاملة.
للمبدع وجهات نظر في الدين والفلسفة وما وراء الطبيعة والتاريخ والسياسة والعلم والفن. وهو يضمن إبداعاته ذلك كله. أو جوانب منه. وقد حاولت ـ في مجموع كتاباتي ـ أن أعبر عن القضايا الاساسية التي تلح علي ذهني. وأعتبرها قضية حياة. لست الكاتب البريطاني أنتوني باول الذي يؤكد أن هدفه من الكتابة. هو إعادة تشكيل العالم. أو تحقيق النظام فيه.. ولا أريد ـ مثل الألماني ستيفن هيرمان ـ أن أترك أثراً. بل ولا أريد ـ بقصد ـ تغيير العالم اليومي للمتلقي. الذي هو واحد ممن تتجه إليهم إبداعاتي. ما أريده أن أتخطي حواجز المكان. بل وحواجز الزمان. فاتخذ من الانسان موضوعاً ومن العالم موضعاً. وأجعل وقتي هو العصر الآني. العمل الفني ليس جدلاً ولا برهاناً. وخصيصته ـ بالعكس ـ هي أن يبعث علي الاقناع. بمجرد التأمل "إنه هناك. هذا كل شيء".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف