كمال الهلباوى
تجارة الفتنة الطائفية بين السُنة والشيعة
>>مغالطات السلفيين تثير الفتنة لصالح هيمنة الأمريكيين والصهاينة
>>لو كان التشيع دينًا مخالفًا لما أجاز 3 من شيوخ الأزهر التعبد على المذهب الاثنى عشرى
>>المذاهب مجرد وسائل وطرق للتعبد عند المقلدين
>>تطاول الجبهة السلفية على النظام السعودى «سوء أدب »
فجرَّ إعدام الشيخ المرجع الشيعى نمر النمر، فى المملكة العربية السعودية مؤخرًا، العديد من التعليقات والجدل، بعضها فى نظرى عاقل، وبعضها تخطى حدود الأدب والشرع. كما أثارت العديد من الاتهامات الطائشة، فى وسائل الاتصال والإعلام فى العالم كله، وخصوصًا فى العالم العربى والإسلامى. إن ذلك يدل على أهمية الحادث لمن أيد إعدام الرجل، رحمه الله تعالى، ولمن استنكره على حد سواء. الكل لديه منطقه وعقله وأدلته، التى ينبغى أن تحترم كوجهات نظر أو آراء، طالما كانت فى حدود الأدب، ولكن هذا لا يحدث فى الواقع، إلا عند من يدرك أهمية التعدد المذهبى، وكذلك التعدد الحزبى والسياسى، وكان يقف بأرجله وأيديه على أرض الوطن فالأمة.
كان موقفى الذى عبّرت عنه بوضوح، كتابة وشفاهة، أننى ضد إعدام الرجل، لأن التهم الموجهة إليه فى ظنى غير كافية لإعدامه،حتى لو كانت تتعلق بنقد ولى الأمر أو نظام الحكم المحصور فى الأسرة المالكة حصرًا مطلقًا، كما أن حشر الرجل مع أكثر من أربعين شخصًا، ينتمون إلى القاعدة والتنظيمات الجهادية والتكفيرية، من التلبيس والتدليس. إن الرجل كما أعرفه فى الندوات والمؤتمرات، رجل سلام وتقريب ووحدة، ولم أعهد عليه أنه من الشيعة الذين يثيرون الفتنة من أمثال ياسر حبيب، الذى يعيش فى بريطانيا اليوم بعد إخراجه من السجن وطرده من الكويت، ومعه إمكانات مادية وإعلامية هائلة، يستخدمها فى إثارة الفتنة النائمة والقائمة، التى يكون فيها الجالس أفضل من الواقف والماشى، ولم يكن الرجل رحمه الله تعالى، مثل بعض الشيرازية أو الشيعة المتشددين، الذين ينكر الشيعة الاثنى عشرية كلامهم ومواقفهم.
كان من بين البرامج التى شاركت فيها، برنامج العاشرة مساءً للأستاذ وائل الإبراشى، مساء يوم الثلاثاء الماضى، وقد استمر أكثر من ثلاث ساعات، وكان السؤال الرئيسى فى البرنامج، ولاء الشيعة العرب لمن؟. كنت قد اشترطت قبل المشاركة أن تكون المناقشة علمية، وأن يكون الحوار إيجابيًا، بعيدًا عن إثارات مثل تلك البرامج فى القضايا الحساسة، ولكن ذلك لم يقع بالشكل المطلوب والمتفق عليه، أستطيع أن أقول كالعادة.
لم يتكلم المشاركون الأربعة كثيرًا فى البرنامج، واستمعوا إلى مشاركات مختارة- فى ظنى، 90 فى المائة، منها يصب فى اتجاه معين، وهو سب الشيعة، وإبراز وإلحاق كل النقائص إليهم وبهم، والأخطر من ذلك بروز حملة التكفير المقنع التى يعتنقها بعض المتسلفين المشاركين أو المعلقين، الذين قالوا إن هناك دينًا خاصًا بالشيعة، وكرروا ذلك مرارًا. ولو أن ذلك كان حقًا، لما أجاز الشيخ شلتوت، رحمه الله تعالى، التعبد على المذهب الاثنى عشرى الجعفرى، وكذلك الشيخ الفحام، والشيخ الشرباصى، والشيخ سيد طنطاوى، وكلهم كانوا مشايخ للأزهر الشريف، ناهيك عن موقف الشيخ محمد الغزالى، الداعى للحوار والوحدة، رحمهم الله جميعًا.
كثرت الاتهامات الباطلة وسوء الأدب، حتى قال بعضهم فى حق الشيخ النمر، رحمه الله تعالى، وبقية الشيعة أنهم أدنى من الكلب، وقالوا إن داعش إيرانية، وإن هناك اتفاقيات إيرانية إسرائيلية، وأن هناك تحالفًا صهيوشيعى، رغم أن من أهم الأعمال التى قام بها الإمام الخمينى بعد ثورة 1979، رحمه الله تعالى، كان إغلاق السفارة الإسرائيلية فى طهران، وإعطاء السفارة إلى الفلسطينيين. وهذا الموقف لم تقدم عليه أى دولة عربية أخرى. ومن الكذب والافتراء الذى أؤكده هنا، القول بأن كمال الهلباوى، كان فى اعتصام رابعة أو أنه شيعى أو غير ذلك من تهم باطلة.. من حق المتحاورين والمتدخلين، أن يروا أن حكام الخليج يتسمون بالعدل والمساواة، أو حتى أنهم من أهل الجنة، ولكن من الافتراء قولهم، إننى شاركت فى عيد الغدير أو حتى زيارة الإمام الخمينى بعد الثورة ضمن الوفد الذى ذهب للتهنئة، كما جاء فى بعض وسائل الإعلام والبرامج الأخرى. ومن العبث أن يقال إن كل حقوق المرأة مصانة حتى فى صعيد مصر، وإنها مهدرة عند الشيعة، بما فى ذلك التوريث، أين حسن الاستدلال والعقل العلمى؟. بعضهم يظن أن عنده حصانة من أى نوع، ولكن حصانة أى منهم، لن تكون أكبر من الحصانة التى كانت عند مبارك وأسرته وأبطال فساده.
مغالطات كثيرة بعضها عن عمد وكراهية لقطاع عريض من الأمة، وأكثرها مما يثير الفتنة المذهبية والطائفية لصالح عدو مشترك، عرفنا ذلك أم لم نعرف، هو الهيمنة الأمريكية والحركة الصهيونية. المتدخل الوحيد الذى دعا إلى وحدة الأمة، ناله ما ناله من المتشددين، الذين يدمرون العلاقات بين الدول أو يدعمون هذا التدمير، وهم يظنون أو يحسبون، أنهم يحسنون صنعًا، ويكذبون كما يتنفسون.
اتهمنى المدعو وليد إسماعيل وغيره من أئمة هؤلاء المتسلفين بأننى شيعى ولديه الأدلة، ومنهم من اتهم حتى الفنان فاروق الفيشاوى بأنه تشيع مقابل ألفى دولار فى برنامج سابق، أو أن الشيعة اشتروه بهذا المبلغ، ياللهطل والهبل والافتراء. فاروق الفيشاوى بألفى دولار ؟ يابلاش. ثم نشرت جريدة «المصريون» أن وليد إسماعيل وصفنى مرة أخرى، بأننى جسد مصرى بقلب إيرانى، أما السيدة شيرين العراقية المقيمة فى مصر فقالت فى البرنامج، إن كمال الهلباوى، رجل إخوانى يتغطى بعباءة الشيعة، لتنفيذ مخطط صهيونى، الذين يثيرون الفتنة هم من يقعون فى المخططات الصهيونية.
وأنا أقول بكل وضوح إن كل الكذبة تعلموا من مسيلمة الكذاب حتى المتسلف المعاصر، وهم أبعد ما يكون عن السلفية الصحيحة التى آمنت بصحة الكتاب والسنة، وجاهدت فى سبيل الله، واعتقدت أن الباب الواسع لدخول الإسلام هو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن المسلمين جميعًا بما فيهم الرسول «صلى الله عليه وسلم» يدخُلون الجنة، برحمة الله تعالى، وليس بجواز سفر من المكفراتية.
السلفيون يعتقدون أن نواقض الإسلام الصحيحة، هى نقض الشهادتين، أما نواقض الإسلام العشرة، التى استخلصها الشيخ ابن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، ففيها ما هو مختلف فيه مثل «السحر، والمختلف فيه عند أكابر العلماء لا إنكار فيه، وليس كما يعتقد مسيلمة الكذاب المتسلف المعاصر.
والله لو أننى تشيعت لأوضحت ذلك عالميًا، ولكننى أرى أن المذاهب مجرد وسائل وطرق للتعبد عند المقلدين. وقد تجاوزت هذه المرحلة بفضل الله تعالى، إلا من مراجعات قليلة، أرجع فيها إلى تلك المذاهب دون البحث عن الرخص الفقهية، ولا فرق عندى بين مذهب وآخر، فكلهم نشأوا بعد عصر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
هناك من السلفيين من رحَّب بإعدام الشيخ النمر، وقام بالتهليل والتكبير لذلك، وكأن الفتنة قد انتهت، وقد تصدوا للدفاع عن السعودية أكثر من دفاعهم عن مصر، وأنا أقول إن الفتنة زادت، ولا تتحمل بلادنا استدعاءً جديدًا لقوات أجنبية تحل المشكلة - مثل التى طالب بها علماء السعودية وحكامها، أيام فتنة صدام حسين واحتلال الكويت، والتى تركت عدة قواعد عسكرية فى الخليج. برزت مطالب هؤلاء لمصر بقطع العلاقات مع إيران، وهم لا يعرفون خطورة ما يقولون، متى تستطيع أى دولة عربية تواجه أى عدو وحدها؟، ومتى يستطيع الجميع مواجهة الاحتلال الصهيونى فى فلسطين؟ هذه إحدى المعارك الكبرى. أو متى تحافظ الدول العربية على استقلالها وهى ضعيفة ومحشورة فى حروب وصراع مدمر. أدعو الله تعالى أن يحمى مصر، فهى الدولة العربية الكبيرة الوحيدة الباقية دون احتلال، ويكفيها الحرب ضد الإرهاب والفساد والتخلف. أما الجبهة السلفية التى نادت فى نوفمبر 2014 بثورة المصاحف فى مصر، فقد رفضت الحكم الصادر بالإعدام، ووصفوا نظام آل سعود بالنظام المجرم. سوء الأدب فى الاتجاهين. ومسيلمة الكذاب هنا وهناك. وللحديث صلة، لتبيان الخلافات المذهبية الفقهية والعقدية، لعلها تعين فى إطفاء الفتنة حتى لا تشتعل أكثر. والله الموفق.