الوفد
حازم هاشم
مكلمخانة- حمدي أحمد والغياب بعد طول حضور
عرفته أيام أن كان يزورنا في قسم النقد بالفنون المسرحية تزاملنا حرمه الفاضلة فريال عاشور، وكان قد أنجب خلال زواجه المبكر، فيأتي إلينا بطلعته الودودة ليتعرف علينا، ويهدهد طفلته التي كانت تسعدنا بوجودها مع والدتها في أوقات فراغ تباعد بين مواعيد المحاضرات.
لكن ما لفت نظري في حمدي أحمد انه كان رجلاً شهماً ابن بلد صعيدي الأصل، حريصاً علي أناقته في بساطة، وضحكاته التي تدوي لبعض ما يسمع من أحدنا، خصوصاً من كانوا علي وشك مغادرة قاعات الدرس في السنة الدراسية النهائية، وكثيراً ما كنت ألتقي به بعدها في كواليس المسارح التي أرتادها بعشق ليس للعروض المسرحية فقط، بل وأثناء إخراج العروض، وأثناء ذلك تعرفت علي المخرجين الكبار ممن عادوا من بعثات خارجية مثل نبيل الألفي وأحمد عبدالحليم وكرم مطاوع وسعد أردش وغيرهم ممن لا تسعفني ذاكرتي بأسمائهم، كذلك عرفت في تلك الفترة من نهاية الستينيات كيف كان لدينا من نجوم المسرح من يعشقون التواجد في المسارح حتي لو لم يكن لهم عمل، نفطر في الصباح بعضاً من الساندوتشات التي تشتري من مطعم قريب من مبني المسرح القومي «الأزبكية»، ويتاخمه مسرحا العرائس والجيب، ولما كنت قد بدأت عملي الصحفي في «دار الهلال» ضمن محرريها الفنيين، غير ما أكتبه في مجلات «عالم الكتاب» و«الفكر المعاصر» من مجلات وزارة الثقافة عالية القيمة، وقد كان علي قمة إصدارها د. زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وغير هؤلاء من المفكرين الكُتاب، والحضور الطاغي للكتب التي تصدرها وزارة الثقافة زهيدة الثمن قبل أن يصبح للوزارة «هيئة الكتاب» التي تحولت إلي «المؤسسة المصرية العامة للكتاب».
أعود إلي الراحل الكبير حمدي أحمد، الذي كان عضواً في حزب «العمل الاشتراكي» ثم عضواً في مجلس الشعب، فكان أن أصبح من المواعيد المقررة للقاء بيني وحمدي أحمد أسبوعياً في يوم محدد لتسليمه مقاله في جريدة «الشعب» لسان حال حزب «العمل»، وكان حمدي أحمد كما عرفته في تلك الفترة الساخنة سياسياً هذا الحماس الفياض لاستحقاق مصر أن تكون وطناً حراً مستقلاً في سياسته وينعم مجتمعه بديمقراطية حقيقية، وفي كتاباته التي توالت في جريدة «الشعب» استطعت التعرف علي مدي العمق الذي يفكر به حمدي أحمد من حيث كان قارئاً مدمناً للصحف والمجلات والكتب التي تصدر في تلك الفترة، وكان حمدي أحمد لا يوالي الذين يرددون دائماً أن السياسة هي اللعبة القذرة، بل كان يري- كما قال لي- أن «اللعبة القذرة» التعبير الذي أطلقه «ونستون تشرشل» وهو سياسي استعماري!، أما نحن فمن حقنا أن نلعب في السياسة بشرفنا وصدق نوايانا وبعدنا عن الخداع والتضليل، وكان حمدي أحمد علي استعداد لخوض معارك طاحنة من بعض الذين كانوا يعتبرون العمل السياسي غنيمة وصفقة، لذلك سارع حمدي أحمد- وسبقته في ذلك ـ إلي الابتعاد عن حزب «العمل» عندما تحول إلي إبرام صفقة سياسية مع الإخوان الذين سرعان ما سيطروا علي الحزب والجريدة!، ورأي حمدي أحمد أن قلمه يملك الحرية للكتابة في صحب أخري مثل الأهالي والأحرار والدستور وعندما لعب حمدي أحمد دوره في فيلم «الأرض» هنأته لأنني شعرت بمدي صدقه في أداء الشخصية التي مثلها أمام عمالقة جمعهم يوسف شاهين في هذا الفيلم، كما أنني كنت شديد الولع بمشاهدة فيلمه الذي كان بطله الوحيد رغم وجود نجوم كبار في «القاهرة30»، وكان من الواضح في أدائه هذه الشخصية «محجوب عبدالدايم» انه ينتقم من هذه الشخصية المنحطة بتقديمها علي هذا الوجه المزري الذي لا ينطوي علي تكلف أو تمثيل!، ورحم الله حمدي أحمد النجم الكبير حقاً، فقد استحق لقبه الكبير!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف