محمد جبريل
ع البحري -إبراهيم الحفني: أين أنت؟
زارني في "المساء" يوما. وناداني باسمي لم اكن اعرفه. فاكتفيت بنظرة متسائلة. قدم نفسه. إبراهيم الحفني قطب. وقدم محاولاته الأدبية قصصا ومسرحيات ذات فصل واحد ومقالات تكلمنا قليلا شدتني اليه بساطته وعفويته فازحت ما كان بيدي من أوراق. وتحدثنا طويلا وكثيرا. واصبحنا ـ من يومها ـ أصدقاء.
لم يكن إبراهيم الحفني قد تعرف إلي مجتمع القاهرة الثقافي بعد. ولم يكن مجتمع القاهرة الثقافي ـ في المقابل ـ قد تعرف إلي هذا الوافد الذي ينشد الفرصة. حاولت ان انشر له في المساء. ودفعته إلي دخول المسابقات الادبية. ففاز باكثر من جائزة وكانت محاولاته ـ في الحقيقة ـ مبشرة وواعدة. وكانت تنطوي علي تلقائية هي جزء من شخصيته.
استدعي إبراهيم الحفني إلي احتياطي القوات المسلحة المصرية قبل نشوب حرب اكتوبر فاجاني بانه قد جعلني الجهة التي ينبغي إبلاغها في حالة استشهاده. قلت له في تأثر: ادعو لك بطول العمر. قال بعفوية اذهلتني. اوه! نسيت ان اخبرك اني بلا اهل. مات والداي. وليس لي اخوال أو اعمام. لي اخت متزوجة لا اتردد عليها كثيرا لان زوجها صعب شوية!
اعتبرته أخا لي. ولعلي احببته اكثر مما احب إخوتي. وتراسلنا إبان احتدام المعارك. ثم بعد توقف القتال. ونشرت بعض رسائل إبراهيم الحفني. وردوده عليها. في مجلة "الثقافة" كنت سعيدا للغاية بهذا الاخ الذي اخترته.
وسرح إبراهيم الحفني من القوات المسلحة. ولأن راتبه في الوظيفة المدنية كان صغيرا. فقد نصحته ـ أليس أخي؟ ـ بأن يسقي بالعرق بذرة طموحه. لتعطي ثمارا حقيقية. واختفي أياما. ثم عاد ليبلغني قراره: ان فرصته في القاهرة ـ مهما تمتد ـ ستظل محدودة شجعته مستشرقة بولندية. لعلها تزوجته فيما بعد. علي ان يسافر للعمل والثقافة.
بعث الحفني برسالته الاولي من اثينا. التحق بالعمل في باخرة تجارية. واثني علي المستشرقة البولندية كثيرا ثم بعث ـ بعد اشهر ـ برسالته الثانية من الحي اللاتيني بالعاصمة الفرنسية ـ كان معجبا باسلوب الحياة وبعشرات المثقفين من ارجاء العالم. تناثروا في الحي العتيق. يناقشون. يثرثرون. يسخطون. يرفضون. كأنهم يملكون قرار استمرار الحياة او إلغائها في هذا العالم. لم يحدثني عن المستشرقة البولندية ـ كانت هذه الرسالة الثانية هي الاخيرة. لم تعد تصلني رسائل من إبراهيم الحفني.
رجوت اصدقاء يقيمون في العاصمة الفرنسية ان يحاولوا البحث عنه.وطال انتظاري لرسائل من إبراهيم الحفني. او رسائل عنه. ولأني ارفض ان يتحدد موقع الحفني في الماضي والذكريات. ولأن إبرهيم الحفني غادر أهوال الحرب دون ان تخدشه رصاصة. فإن الامل في أن التقي به سيظل جزءا من تفكيري. وانشغالي. وترقبي لتوالي الأيام.
إبراهيم الحفني: أين أنت؟