الصباح
حلمى النمنم
الفارق بين الوطنية المصرية والوطنية التركية
*المعارضة التركية أيدت انتهاك جيشها أراضى سوريا لنقل رفاة «سليم شاه».. والمتأسلمون فى مصر اعترضوا على ضرب «داعش»
*الإسلام فى تركيا وإيران تحول إلى «رافعة» للوطنية.. والإخوان استنجدوا بالقوات الأمريكية و«الناتو» ضد الجيش المصرى
قامت تركيا بعملية عسكرية ضخمة فى شمال سوريا، شاركت فيها 750 سيارة عسكرية ومدرعة، كان هدف العملية نقل رفات أو ضريح «سليم شاه» من سوريا إلى تركيا، سليم شاه هو الجد الأول لمؤسسى الدولة العثمانية، وكان ضريحه موجودًا فى سوريا، وكان يقوم على حراسته أربعين جنديًا تركيًا، وتتولى الدولة التركية إشرافها على تأمين الضريح، وكان المعارضون السوريون والمثقفون يتهامسون طوال السنين بأن النظام السورى، نظام حافظ ثم بشار الأسد، شديد القومية والعروبية، يصمت عن انتزاع السيادة العربية عن ذلك الضريح لصالح الوطنية والقومية التركية، وكان هؤلاء يقولون أن النظام فرط فى هذه البقعة ولم ينشغل بها، فهل ينشغل بالجولان ويحاول استردادها؟ سمعت هذا الكلام كثيرًا فى دمشق وفى القاهرة من مثقفين وسياسيين سوريين، وطوال عقود لم تطلب سوريا من تركيا أن تسحب حرسها وسيادتها عن الضريح ولا تركيا عرضت ذلك ولا همت بأن تنقل الضريح داخل أراضيها.
والذى حدث مؤخرًا أن داعش اقتربت جدًا من منطقة الضريح، وهددت بأنها سوف تنسفه تمامًا، الدواعش لا يحبون الأضرحة، ويعدونها من الأوثان، وهكذا معظم السلفيين، وسبق أن نبشوا هم أو جبهة النصرة، ضريح أحد الصحابة فى سوريا وقاموا بتسويته بالأرض، ومن ثم لم يكن مستبعدًا أن يفعلوا ذلك مع ضريح «سليم شاه».. وهكذا تحرك الجيش التركى بجحافله ونقلوا الرفات إلى تركيا وفجروا الضريح، ومن المقرر أن يعاد الرفات مجددًا إلى سوريا ليدفن هناك، بعد أن تهدأ الأمور.
وبعد أن تمت الغزوة التركية الكبرى بنجاح تام، خرج الودود دائمًا المبتسم أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء بإعلان خبر النصر المظفر الذى حققته تركيا، وكان لافتًا أن المعارضة التركية التى تناوئ حكم أردوغان وخصمه باركت العملية، أردوغان وحزبه، تصنيفته الأيديولوجية المتأسلمة، ومن ثم فلديه حنين إلى الحكم العثمانى ويصبح طبيعيًا أن ينزعج على رفات «سليم شاه»، أما المعارضة التركية وهى ضد التأسلم فإنها ترى فى «سليم شاه» رمزًا من رموز الوطنية التركية، ولذا رحبت بالعملية واعتبرتها جيدة.
فى البرلمان التركى رفع نواب الحكومة والمعارضة الأحذية على بعض والكراسى أيضًا، الأسبوع الماضى، هكذا وصل الخلاف فى الأمور السياسية، والمعارضة تعتبر أردوغان طاغية وتراه رمزًا من رموز الفساد واللصوصية، حيث أفرج عن أبناء الوزراء والوزراء المدانين بسرقة المال العام، وعزل القضاة الذين حكموا بحبسهم، لكن حين تعلق الأمر بما يمس الوطنية التركية، صمت الجميع، وباركوا تصرف أردوغان وحملته العسكرية، وفى تركيا صراع ضخم بين المدنيين والعسكريين، لكنهم فى هذه القضية ساندوا الجيش، ولم يجدوا غضاضة فى أن يقف وزير الدفاع إلى جوار رئيس الوزراء لحظة إعلان خبر الحملة المظفرة من أجل «رفات» رجل مجهول!!
أما أن يذبح 21 مصريًا بطريقة مهينة، فلا يجد المتأسلمون والمعارضون فيها مساسًا بالوطنية أو الكبرياء المصرى، ولا يهتمون برد الفعل المصرى، الذى لم يكن هناك بديل عنه.
حين سيطرت «داعش» على «عين العرب» أو كوبانى فى شمال سوريا وقريبًا من الحدود التركية، حاولت الولايات المتحدة ودول التحالف إقناع تركيا بالتدخل العسكرى لتحرير «كوبانى» من الدواعش فرفضت تمامًا، وكان مطلبها أن يكون هدف العملية إسقاط بشار الأسد نهائيًا، لكن فيما يتعلق بسليمان شاه، تدخلت تركيا على الفور، ولم تنتظر إسقاط الرئيس السورى، تدخلت وهى تعرف أن مطلب إسقاطه يتراجع، وأن الغرب فتح صفحة جديدة له، وأنه بات يعد جزءًا من الحل فى سوريا وليس كما كان هو المشكلة ذاتها، ولم تتكتم تركيا أنها قبل أن تقدم على هذه العملية العسكرية «الضخمة» نسقت مع دول التحالف، وإن شئنا الدقة استأذنت دول التحالف، أى الولايات المتحدة الأمريكية.
انتهكت تركيا السيادة السورية، وتدخلت بريًا فيها وقامت بعملية عسكرية، ولم نسمع أصوات الاحتجاج، حتى جامعة الدول العربية لم تصدر بيان استنكار أو إدانة لما حدث من تركيا، صحيح أن الجامعة جمدت عضوية سوريا، لكن التجميد لا يعنى إلغاء وجود سوريا ولا عضويتها فى الجامعة العربية.
الحكم فى تركيا متأسلم والمعارضة ليبرالية علمانية، ومع ذلك اتفقا معًا فى أمر اعتبراه يمس الوطنية والسيادة التركية، والغريب أن المتأسلمين عندنا وكذلك بعض الليبراليين، لا يقيمون وزنًا للوطنية المصرية، بل يناهضونها، حين قامت مصر بالغارة الجوية على معاقل داعش فى ليبيا، انتفض المتأسلمون وبعض الليبراليين، وبعض من ينسبون أنفسهم إلى ثورة 25 يناير، يناهضون الوطنية المصرية، ويعترضون على تحرك مصر لرد اعتبارها من الدواعش الإرهابيين.
يتحول الإسلام فى تركيا إلى رافعة للوطنية التركية، وهو كذلك فى إيران، أعطى النظام الإسلامى فى طهران القومية الفارسية والوطنية الإيرانية دفعات إلى الأمام، وصارت إيران اليوم تتحكم فى أربع عواصم عربية، تحكمًا شبه كامل، وهى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء مؤخرًا، وفى مصر تميز فكر الإمام محمد عبده عن أستاذه جمال الدين الأفغانى بأنه أعطى فى اجتهاده الإسلامى للوطنية وللمصرية بعدًا متميزًا، حتى إنه يعد أحد رواد «مصر للمصريين»، وقد شارك فى الثورة العرابية، التى كانت فى جوهرها انتفاضة للروح الوطنية المصرية ضد الهيمنة التركية - العثمانية وضد الهيمنة الأوروبية، ممثلة فى بريطانيا، لكن المتأسلمين منا يصرون على أن يحولوا الإسلام إلى عنصر صدام مع الوطنية، وكأن هناك نفورًا بينهما، ليصبح المتأسلم ماديًا أو يقترب من الخيانة للوطنية المصرية، هذا ما فعلته جماعة الإخوان طوال تاريخها وما تمارسه اليوم، وانتهى بهم الحال إلى الخيانة الفعلية، فوجدناهم بعد ثورة 30 يونيه يهتفون ويهددون الجيش المصرى بالأسطول السادس الأمريكى، وفى يوم 2 يوليو 2013 استنجد د. محمد مرسى وعصام الحداد بالقوات الأمريكية وحلف الناتو ضد الجيش المصرى!! لماذا يصبح التأسلم عندهم مرادفًا لكراهية الوطنية وللخيانة بمعناها المباشر.
الإسلام كدين ليس ضد الوطنية بأى حال من الأحوال، وحيث نتحدث عن نماذج مختلفة للإسلام فنقول الإسلام المصرى والإسلام الهندى والإسلام الإفريقى، فهذا يعنى الاعتراف بالوطنية والمواطنة، نحن نقول إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهذا يعنى أن الإسلام لا يمكن أن يكون ضد الوطن «المكان» ولا ضد العصر «الزمان» ولا ضد ما هو حديث، فلماذا يصر المتأسلمون المصريون على أن يردفوا تأسلمهم بكراهية الوطنية المصرية، ولماذا يقرون بهذه الوطنية فى حالة إيران وتركيا ويناهضونها فى مصر؟!
ما حدث فى ليبيا من قيام الدواعش بإعدام 21 مصريًا - قبطيًا - وجاء رد القوات الجوية فكشف الكثيرين وأسقط ورقة التوت عن هؤلاء جميعًا.
أفهم أن تمتعض الولايات المتحدة من رد الفعل المصرى لأن مصر لم تستأذن البنتاجون ولا الإدارة الأمريكية، كما فعلت تركيا، وأفهم كذلك أن السيادة الوطنية تكون أمرًا مزعجًا لأنصار الهيمنة والإمبريالية فى بعض الدوائر الأمريكية، وأفهم أن تكره جماعة الإخوان الوطنية المصرية، لأنها تريد دولة الخلافة، لكن لا أفهم أن بعض الشباب يسايرون نفس التوجه، إلا إذا كان مكتوبًا ومقررًا عليهم اتخاذ مواقف الإدارة الأمريكية تجاه مصر والدولة المصرية.
سوف نبقى مصريين، نحب هذا الوطن وندافع عن ترابه وكيانه وسوف نبقى كذلك متمسكين بديننا، لأنه لا تعارض بينهما، التعارض يكون فقط فى حالة الخيانة وكفانا الله شرها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف