اللهم ليست شماتة.. بل إحساس بعدلك.. مبارك لص، وكذلك أنجاله، نهبوا مال الشعب ليبنوا به القصور، هذا ما قضت به محكمة النقض. كثيرون لا يقدرون معنى هذا الحكم، ولا يستوعبون دلالاته المبهرة التى يتربع على رأسها أن: «الثورة حق».. وأن الانتماء إلى «يناير» شرف يحق أن يتيه به كل من خرج فى ركابها، داعياً إلى الإصلاح ومقاومة الفساد، وثانيها أن «الثورة قادرة».. وسوف تسجل كتب التاريخ أن هذا الرئيس الذى حكم المصريين لثلاثين عاماً أُدين بالفساد، وأن «يناير» هى التى وضعته فى القفص، وثالثها أن «الثورة مستمرة»، وأن كل ما يقال من أن «يناير» انتهت هو محض تمنٍّ ووهم يعشش فى عقول البعض، فثورة يناير التى خلعت «مبارك» عام 2011 هى التى سجنته عام 2016.
قضية القصور الرئاسية تُدين مبارك وأنجاله بسرقة ميزانية قصور الحكم عام 2002. حكم محكمة النقض يقول ذلك، وهو يقتضى من المهتمين البحث فيما سبق عام 2002 وما تلاه، خصوصاً أن ثمة أرصدة مجمدة للرئيس الأسبق فى دول غربية، أكدت مصادر قضائية أنها بصدد اتخاذ الإجراءات الكفيلة باسترجاعها. ما تردده هذه المصادر القضائية يمنحك مؤشراً عن أن «الشيلة تقيلة»، وأن «يناير» عندما قامت كانت صادقة فيما هدفت إليه من قضاء على الفساد الذى استشرى فى عصر «مبارك»، وتغلغل داخل خلايا الجهاز العصبى لهذا البلد، حتى وضعه على منصة الجنون، وتكامل مع هذا الفساد استبداد الحكم الذى اعتمد على قمع الشعب، وكان سوء الختام فيه السعى إلى توريث الحكم، وكأن هذا البلد عزبة يورثها من يحكمها لأنجاله. وإياك أن تصدق الترهات التى يرددها أنصار عصر الفساد من أن «مبارك» لم يكن يسعى إلى التوريث. وحسبك أن تتذكر جيداً أن سرقة ميزانية القصور الرئاسية جاءت بأيدى الأب والأنجال، الأب بحكم ما كان يظنه من «ملكية بر المحروسة»، والأنجال من منطلق «الورثة»!.
أعلم كمّ الإحباط الذى أصاب من كانوا يحلمون ببراءة مبارك، هؤلاء الذين أوجعتهم ثورة «يناير» التى انسال فيها ملايين البشر إلى شوارع وميادين مصر، مطالبين بتصحيح المعوج فى هذا البلد. أتمنى أن يمتلك من ينعتون يناير بـ«المؤامرة» الشجاعة ويكملوا جميلهم مع «مبارك» ويتظاهروا فى الشوارع -كما هددوا- اعتراضاً على إدانته بالسرقة. أنا شخصيا لا أرى غضاضة فى ذلك، فمن حق كل إنسان أن يعبّر عن نفسه كما شاء وشاء له الهوى، ولكن أرجو من هؤلاء أن يراعوا قانون التظاهر ويحصلوا على التصريحات المطلوبة فى هذا السياق، وحبّذا لو طلبوا أن يكون مكان التظاهر هو «التحرير»، ذلك الميدان الذى شهد مليونيات الثورة، ليهتفوا مطالبين بتبرئة «مبارك» من تلك الإدانة السياسية التاريخية. و«التحرير» ميدان له نفحاته، إذ أذكر جيداً يوم وقفنا فيه فى 25 يناير 2011 وهتفنا مطالبين بإصلاح «الداخلية»، فإذا بالأمور تتطور وتتطور، حتى وصلنا إلى المطالبة بإسقاط «مبارك»، ربما أصاب «أبناء مبارك» جانب من هذه النفحات فيتطور الأمر بهم من المطالبة بتبرئته إلى المطالبة بعودته إلى الحكم مرة أخرى. فإذا كانت «25 يناير» مؤامرة، فلماذا لا نعود إلى ما كانت عليه الأوضاع يوم 24 يناير 2011؟!.