الأهرام
أنور عبد اللطيف
هل تشترى الجزيرة بث جلسات البرلمان على الهواء ؟
قطع التليفزيون إرساله وتصدر الشاشة صورة سيادة النائب الجديد تحت عنوان «عاجل»، لم اضحك لرؤيته مثل باقى زملائى فى الجلسة، لكنى ارتعبت حينما امتلأت الشاشة بصورته وهو يلوح للجماهير التى لم يظهر لها «حس ولا خبر» حول مبنى البرلمان، قال زميل: من أولها سيادة النائب يلوح لفلول قناته الجالسين فى البيوت، لكن النائب سرعان ما رسم ابتسامة محسوبة لثوان ثم تكشيرة وقطب مابين حاجبيه وتجهم، شجعتنى تكشيرته على التفاؤل إذ يجب على كل نواب الشعب أن يتخلوا عن سلوكيات الشارع ويتحلوا بوقار نائب الشعب الحاسم والجاد، اختفى الخبر العاجل الذى كان نصه وصول توفيق عكاشة إلى مجلس الشعب لحضور الجلسة الاجرائية للبرلمان الجديد.

طمأنت نفسى: طبيعى يا اخواننا ان تكون الوقائع الأولى لانعقاد هذا البرلمان الذى جاء بعد صيام طويل تستحق أن توصف بـ«خبر عاجل»، لم تمض ثوان على مناقشات الدهشة والقلق حتى تجولت بنا كاميرا مباشر بين أعضاء بعضهم يتكلم فى التليفون المحمول وبعضهم يلتقط الصور «السيلفى» ويشير لكاميرات التصوير، لكن كلهم كانوا فى غاية الأناقة، فى نسيج وطنى يتدرج من الجلابية للبنطلون ورباط العنق والعمامة، ومما زاد من اطمئنانى أن توفيق عكاشة بطل الخبر العاجل كان أنيقا وراسيا وملتزما فى أدائه القسم دون فزلكة، وكان مسئولا أيضا وهو يخوض الترشح على رئاسة المجلس مستقويا بتربيطاته وشعبيته «التليفزيونية»، وبتاريخه و«كفنه» الذى حمله على يده قبل 03 يونيو وبالـ59 ألف صوت فى دائرته ثم يتقبل الحصول على ترشيح 52 صوتا فقط راضيا ـ دون أن يصف أى نائب بأنه من الخونة أو له أجندات خاصة أو ممول من الخارج مع إسقاط الدولة ـ فاستحق عن جدارة أن يصفه الرئيس الجديد للبرلمان ـ وأنا معه ـ بـ سيادة النائب الاعلامى المحترم الدكتور توفيق عكاشة.

وهذا هو التحدى الذى يواجهه هذا البرلمان، فهو من حيث المبدأ أكثر البرلمانات تعبيرا عن الشعب المصرى، وهو بكل شخصياته إفراز للمناخ العام، وتتضاءل فيه الولاءات الحزبية ويغيب عنه جماعة المنتفعين بـ «حزب الرئيس»، فالمؤكد أن هناك مال سياسى تم دفعه فى دوائر بعينها لكن المؤكد أيضا أن بعض الناخبين أخذوا المال لكنهم صوتوا ضد دافعيه واسالوا «ايمان خضر» الشابة الجميلة البسيطة التى انتخبها الفلاحون فى الشرقية فى تحد للمال السياسى، واسألول جمال كوش «نائب التوك توك» فى بنها الذى لم يدفع مليما واحدا ونجح رغم أنف أصحاب المليارات، هذه بعض النماذج، والنتيجة أننا كسبنا برلمانا أمامه فرصة لدعم تنمية حقيقية تلبى حاجة الناخبين ولاءه للعدالة الاجتماعية، ويختلف عن برلمانات كبار الملاك والباشوات قبل ثورة يوليو ومجلس الأمة والاتحاد الاشتراكى بعدها، ولا برلمان الانفتاح الذى كان النجاح فيه سداحا مداحا باستثناء برلمان ممدوح سالم عام 6791 ، ولابرلمان الحزب الوطنى الذى وصل ذروة بجاحته وانحرافه بانتخابات 0102 الذى فُصِّل على مقاس مشروع التوريث والمال السياسى، ولا برلمان 2102الذى بلغ ذروة الطائفية والمتاجرة باسم الدين.

والشعب الذى انتخب هذا البرلمان بعد ثورتيه حدثتا فى «52يناير + 03 يونيو» هو حزب الرئيس الحقيقى خارج المجلس يتابع ويفرز ويراقب وينتظر النتائج ، ويطمع أن يكون نوابه قدوة فى الالتزام والوقار والاحترام، صحيح أن الجلسة الأولى كشفت أن معظم أعضائه يحملون تقاليد الشارع وليس تقاليد البرلمان وطبيعى أيضا أن تشهد الجلسة بالونات اختبار من النائب المخضرم مرتضى منصور ـ هو نائب دائرتنا منذ سنوات ـ وجرب أن يستخدم لغة الطلاق فى شكل خروج «مقصود» عن نص القسم، بحجة أنه «مش طايق» 52 يناير، فكان جزاؤه الحنث باليمين والمفروض أن تكون «التالته تابته» إما يطلِّق المجلس أو يحدث خُلع وهو الحل الأسهل والمحتمل فى وجود رئيس برلمان فاجأنا بصعيديته ونوبيته وعلمه وكفاءته وصرامته ، وطبيعى أن تشهد الجلسات الأولى بعض النواب يتمشون فى الطرقات والممرات أويتكدسون وسط القاعة، ومن الطبيعى أن تأتى محصلة الجلسة الأولى مثل مدرسة ابتدائية غاب فيها الناظر فى اليوم الأول، فبدا التلاميذ تائهين بين الفصول، وهذا طبيعى فأكثر من 05٪ من النواب يتعلمون التقاليد البرلمانية لأول مرة، والمهم ألا يتعلموا قزقزة اللب والنوم أثناء الجلسات كما كان يحدث فى برلمان الدكتور سرور أو يستمرئوا الآذان فى مالطة وإباحة دخول «أناجر» الفتة والفطير المشلتت بشرع «الإمام» الدكتور الكتاتنى.

لكن تبقى عملية ترويض النواب فى «سنة أولى برلمان» وتعليمهم قيم الحياة النيابية مسئولية النواب أنفسهم أولا ومسئولية رئيس المجلس وزعماء الأغلبية والمعارضة وحكماء لجنة القيم المسئولة عن الضبط والربط والحسم وفرض التقاليد العريقة، والعناية باختيار أعضائها لا تقل عن العناية باختيار أعضاء لجنة الخطة والموازنة والأمن القومى، لأنها المسئولة عن الجدية والالتزام والانضباط الذى يلييق بجلال مهمة نائب الشعب فى كل الجلسات واللجان، أضيف لهؤلاء ماقاله الأستاذ سامى متولى المحرر البرلمانى العتيد أن المسئولية أيضا تقع على عاتق الإعلاميين والمحررين البرلمانيين الذين يجب أن ينقلوا عن البرلمان ما يحفظ كرامة وهيبة ووقار المجلس لويعرفون أن كرامة المحرر من كرامة المجلس ولا ينساقون وراء فضائيات هدفها تصدير خطاب الترويع والهلع وإشاعة الرعب والتسفيه والذين حرصوا على اصطياد ما يشوه صورة البرلمان ووصفه بالمهزلة، ولا أستبعد أن تطلب الجزيرة شراء حق بث الجلسات على الهواء فى إطار حرصها على إظها النواب المدافعين عن وحدة الدولة المصرية بأنهم معاتيه أو سليطو اللسان عكس ما يقدمون به أنصار تفكيك الدولة والممولين بأنهم مثقفون وأصحاب فكر وعقلاء، ولعل أروع نصيحة تقال فى بداية هذه الدورة البرلمانية الخطيرة ماقاله أمير الشعراء أحمد شوقى فى أول برلمان مارس 4291، ولا زالت نصيحته تصلح لنواب اليوم:

«دار النيابة قد صُفَّت أرائكها.. لا تُجلسِوا فوقَها الأحجار والخشبا

اليوم يا قوم إذ تبنون مجلسكم.. تبنون للعقبِ الأيام والحقبا

يقول عنكم ويقضى غير متهمٍ ..العهد ما قال والميثاق ما كتبا»
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف