عباس الطرابيلى
هموم مصرية- أسوان.. بين الأمل والألم!
ودعوني أقدم الأمل.. رغم مرارة الألم الذي يغلف حياة كل أبناء أسوان..
الأمل رأيته ـ أمس الأول ـ في أمرين، أولهما في أول متحف قومي للنيل، يخلد المعاني السامية للتعاون بين «كل» دول حوض النيل.. وثانيهما افتتاح رئيس الوزراء ـ المهندس شريف اسماعيل ـ محطة الطاقة الشمسية بقدرة 100 كيلو وات / ساعة للاستفادة من أسطح المباني الحكومية هناك في توليد الطاقة، وعمر المحطة الافتراضي 20 عاماً وهي بداية طيبة خصوصاً أن معدل سطوع الشمس ـ عند أسوان ـ هو الأعلي في كل مصر.
<< وإذا كان «الأمل» في أسوان قد تمثل في «متحف النيل» فإنما لأنني أراه وهذه الأيام بالذات نموذجاً للتعاون بين دول حوض النيل «11 دولة» علي أمل أن يحل التعاون والوئام بين هذه الدول.. محل ما يتحدث به «البعض» هذه الأيام عن مشاكل سد النهضة وأضراره المحققة التي ستصيب مصر بشكل مؤكد بسبب إصرار إثيوبيا علي إكماله بالطاقة والارتفاع والحجم الذي يضر بمصر..
وهذا المتحف الذي يرتفع الآن فوق واحدة من أعلي تباب أسوان ـ وهذا الاختيار لم يأت من فراغ يمثل «روح التعاون» كما قال رئيس الوزراء في كلمته أمامنا ـ ونحن نحتفل معاً بهذا الافتتاح ـ وهو نفس المعني الذي أكده الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري.. حتي وإن غاب عن هذا الإحتفال ممثل لاثيوبيا رغم وجود ممثلين لمعظم دول حوض النيل.. وهنا أري ـ تماماً كما قال الوزير حسام مغازي ـ أن هذا المتحف يعد صرحاً حضارياً وثقافياً يربط بين مصر وحوض النيل ويوثق العلاقات بين شعوب الحوض.. ويساعد علي أن تجتمع كل دول الحوض علي ما يحقق المستقبل الأفضل لشعوب الحوض.. وفي مقدمتها مصالحها في التنمية الشاملة..
<< ومع ما يضمه المتحف من 250 قطعة أثرية تسجل رحلة جريان النهر من منابعه المتعددة إلي مصبه.. إلا أنني ـ وقد أكون مخطئاً ـ لم أجد بجانب مشروعات أخري مثل السد العالي وخزان أسوان ـ لم أجد ذكراً للعديد من الانشاءات الكبيرة علي طول النهر مثل خزان أوين في أوغندا، وقد ساهمت مصر مالياً وفنياً وإدارياً في إقامته.. أو في مشروع جبل الأولياء ـ وقد ساهمت مصر أيضاً فيه ـ علي النيل الأبيض. أو منشآت أخري مثل مقياس النيل الأشهر عند الروصيرس أو سنار.. أو حتي نموذج لجزيرة توتي التي يلتقي عندها النيلان الأزرق والأبيض..
ولكن ـ كمال قال الدكتور مغازي ـ فإن من أهم ما يميز هذا المتحف أنه يسجل ويروي تاريخ الري المصري من أيام محمد علي.. وخصص المتحف ركناً لكل دولة من دول الحوض وتأثيره علي عادات الشعوب. والمتحف الذي أنشئ علي الطراز النوبي ـ السوداني صممت واجهته وبواباته من جرانيت أسوان الوردي ـ وكان يجب أن تكون أرضيته أيضاً من هذا الحجر الشهير.
<< ورغم ذلك فإن هذا المتحف يعتبر إضافة طيبة ـ ومستقبلية ـ للقطاع السياحي هناك.. وإن كنت أركز علي الجانب التعاوني الذي يجب أن ينشأ ويتعاظم بين دول الحوض ـ حتي وإن اختلفت المشارب رغم أننا ـ كلنا ـ نشرب من هذا النهر..
ورغم أن القاهرة تمد يدها ـ وأيضاً صبرها ـ لإثيوبيا ليس فقط بسبب سد النهضة «الرهيب» إلا أنها لم ترسل من يمثلها في افتتاح هذا المتحف.. أقول ذلك رغم أن سفيرها بالقاهرة يتحدث العربية بطلاقة.. ورغم أن علاقات مصر وإثيوبيا تعود إلي مئات السنين.. وكان يمكن أن يكون «التمثيل الإثيوبي» ولو علي أي مستوي بادرة تعبر عن حسن النوايا بين البلدين.. فلماذا هذا الغياب ولماذا تقطع إثيوبيا كل حبال الود بين القاهرة وأديس أبابا. اللهم إلا إذا كان السفير الإثيوبي فضل عدم الحضور، حتي لا يواجه بموجة غضب مصرية، خصوصاً أن اثيوبيا رفضت الاقتراح الفني المصري بزيادة عدد الفتحات ـ في جسم السد، ليسمح ذلك بمرور كميات أكبر من المياه.. للسودان .. ثم إلي مصر..
<< وإذا كان متحف النيل سوف يزيد من عدد الليالي والأيام التي يقضيها السائح في أسوان.. إلا أن «الألم» يزداد يوماً بعد يوم في «حلوق».. كل أبناء أسوان التي أري أبناءها من أفضل أبناء المناطق المصرية...
وإن كنت أري أن هذا الألم ـ بسبب ما وصلت اليه حال أسوان لغياب السياحة الشتوية ـ وهي عماد أسوان، لن يتحمل إلي الأبد.. بل أخشي انفجاراً قريباً.. خصوصاً مع انهيار عائدات الناس هناك.. وهذا هو مقالنا غداً إن شاء الله.