فقدت مصر.. وفقدت أمتنا العربية.. الشاعر الكبير محمد التهامي الذي وافته المنية بعد عمر حافل بالعطاء في العديد من المجالات.. كان أبرزها وأشهرها الشعر الذي امتلك أدواته بمهارة فائقة منذ الصغر.. ونال شهرة واسعة في الداخل والخارج من خلال المهرجانات والمحافل التي كان يشارك فيها.. فقد كان يجيد إلقاء قصائده بصوت رخيم رزين يسحر السامعين فيبدو نجماً متألقاً.. ويعيدنا إلي زمن الفصاحة والرصانة اللغوية.
كان ـ رحمه الله ـ شاعراً مفطوراً ومتميزاً.. وظل وفياً طوال عمره للقصيدة العربية الكلاسيكية العمودية.. ورفض بكل قوة أن يكتب أو حتي يعترف بالقوالب الشعرية المستحدثة.. وخاصة ما يسمي بقصيدة النثر التي كثر صناعها ومستهلكوها هذه الأيام.. وربما لهذا السبب.. وربما أيضاً لأنه لم يكن ينتمي لقطاع الشعراء الصعاليك وشعراء المقاهي.. وليس له شلة.. لم يجد الاهتمام اللائق به عند وفاته.. فلم تفرد له صفحات الجرائد.. ولم تقم له ندوات ومهرجانات.. ولم تعد له برامج تليفزيونية لتمجده وتتحدث عن شعره.. بينما تقام مثل هذه الندوات والمهرجانات لمن لا يمتلكون واحداً في الألف من موهبته.
ولدا الشاعر الكبير الجميل محمد التهامي في قرية الدلاتون بالمنوفية عام 1920 وحصل علي ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام ..1947 وصدر أول ديوان له وهو في المدرسة الثانوية.. اشتغل بالمحاماه والصحافة والإعلام.. وكان مديراً لتحرير جريدة الجمهورية 1953 ـ ..1958 ثم عمل مديراً لإدارة الإعلام بجامعة الدول العربية حتي عام ..1974 ثم رئيساً لبعثة الجامعة في اسبانيا حتي عام ..1979 ثم مستشاراً للجامعة إلي أن تقاعد.. وكان عضواً بنقابة الصحفيين.. وعضوا بالمجالس القومية المتخصصة.. ولجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة ومجلس إدارة اتحاد الكتاب وسكرتير عام جمعية الأدباء.
صدر له حوالي تسعة دواوين أشهرها أغنيات لعشاق الوطن. أنا مسلم. دماء العروبة علي جدران الكويت. يا إلهي. أغاني العاشقين.
وفي عام 2001 أصدرت الهيئة العامة للكتاب أعماله الكاملة.. وحصل علي العديد من الجوائز في مصر والدول العربية.. ومن أبرزها جائزة الدولة التقديرية.. لكنه كان يحلم دائماً بأن يتوج مشوار حياته بالحصول علي جائزة النيل.
تناول التهامي في شعره موضوعات كثيرة خاصة بقضايا العروبة والإسلام.. ودافع كثيراً عن حلم الوحدة العربية الذي آمن به.. وكان من أهم الشعراء الذين تغنوا بالإسلام ديناً وعقيدة وحضارة وتاريخاً.. ودافع عن الرسول صلي الله عليه وسلم في مواجهة حملات الإساءة.. وعبر كثيراً عن زهوه وافتخاره بهويته العربية الإسلامية.. وكان أحب الألقاب إليه "فارس القصيدة العربية".. وله العديد من القصائد تدرس في مدارس البلدان العربية.
وإلي جانب ذلك كان التهامي ـ يرحمه الله ـ يتمتع بروح ودودة سمحة.. لا تعرف الحقد ولا تعرف التعالي.. وكان دائم السؤال عن أصدقائه.. وهو الذي يبادر بالإتصال بهم ولا يجد في ذلك غضاضة.. وحتي عندما كان يتعرض للهجاء من بعض أنصار الحداثة وقصيدة النثر كان يقول مبتسماً : "حينما يجيدون قراءة الشعر ربما يكتبون شعراً.
ولأنه ـ كما تري ـ ليس من شلة د. جابر عصفور وزير الثقافة ولا من مدرسته فكان طبيعياً أن يكتفي بنعيه ببعض كلمات لا معني لها.. ثم تتجاهله الوزارة ويتجاهله اتحاد الكتاب وتتجاهله الصفحات الأدبية.. ولا يتذكره إلا برنامج في قناة الدلتا مساء الخميس الماضي.
هل هذا معقول؟!