محمد جبريل
ع البحري -نظرية الأواني المستطرقة
التفوق في بعد ما. في حياة شعب ما. لابد أن يستتبعه بالضرورة تفوق في أبعاد الحياة الأخري.
والأمثلة لا تعوزنا.
كانت اليابان ـ ما يسمي لعظمة تقدمها في معظم المجالات كوكب اليابان الشقيق ـ هي المثل الذي نحرص علي الإشارة اليه. ربما لأنها تنتسب إلي الشرق بقيمه ومثله وتقاليده. ولأن بداية انطلاقها في درب التقدم تلي محاولات بعض أقطار الوطن العربي. مصر علي سبيل المثال. أذكرك بأن يابان ما بعد قنبلتي هيروشيما ونجازاكي كانت تقف علي أرضية الصفر. وان غالبية مدن الكوريتين كانت قد سويت بالأرض في الحرب المدمرة التي نشأت بينهما أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.
وإذا كانت اليابان قد حققت تقدماً تكنولوجياً مذهلاً. فإن ذلك التقدم قد أعطي انعكاساته وتأثيراته علي إيقاع الحياة. اللحظة الحضارية. أو المدنية. وحدة متصلة تنتسب كل جزئية فيها إلي الجزئيات الأخري بآلاف الوشائج التي تحقق في مجموعها تكاملاً. هو التعبير عن التفوق. أو التخلف. الذي يحياه شعب ما. التشبيه الذي يحضرني نظرية الأواني المستطرقة التي تعبر عن اتساق اللحظات في حياة الشعوب. التقدم. أو العكس.
نتساءل أحياناً: لماذا تتدني ثقافتنا المعاصرة بالقياس إلي ثقافات العالم؟ لماذا لا ترقي إبداعات فنانينا ومخترعينا إلي مستوي الإبداعات والمخترعات العالمية؟ لماذا تغيب عن فكرنا النظرية الفلسفية المتكاملة؟ لماذا نستهلك التكنولوجيا دون أن نحاول انتاجها؟ لماذا الحرص في حياتنا علي التواكلية والاعتذارية وغيرها من السلبيات التي نصارح أنفسنا بها. ولا نبذل جهداً حقيقياً في التغلب عليها؟.
أسئلة. يبدو فيها التناقض. وربما التضاد. لكنها تلتقي في الجواب. اللحظة الحضارية واحدة. بناء متكامل. سيمفونية تكتسب تفوقها من تفوق الهارموني. بانوراما اللحظة الحضارية. أو المدنية. هي ما يجب أن نحرص عليه.
عشت وشفت فوز مصر بالمركز الأول في بطولة أوروبا لكرة السلة. وتغلب الفريق القومي المصري لكرة القدم علي فرق اليابان والكوريتين بأكثر من عشرة أهداف في المباراة الواحدة. لم يعد التخلف وارداً في تلك الدول. لأنها أسقطته من حياتها. وسعت إلي تحقيق التقدم في كل المجالات.
لن نغادر مواقع تخلفنا إن اكتفينا بإلقاء الأسئلة حول قصور هذا البعد في حياتنا أو ذاك. دون أن نفطن إلي البديهية: الجزء متصل بالكل. والتطور إذا أردناه. يجب أن يشمل حياتنا. كل حياتنا.