الأهرام
عبد الغفار رشدى
قيم - الليل يستر الفقراء
أصعب وأقسى تعبير عن الفقر ذكرته سيدة تعيش بالعشوائيات، عندما سألوها عن أحوالها وظروفها، وكيف تقضى أيامها, فقد قالت: «أنتظر أنا وأولادى الليل ليسترنا»
هكذا أصبح الفقراء فى بلدنا، يتطلعون إلى ظلمة الليل، لتخفى أجسادهم العارية، حيث لا مال لشراء الملابس الضرورية، ينتظرون الليل ليناموا هربا من الجوع حيث تظل معدتهم خاوية بلا طعام, ما أعلنته هذه السيدة يُبكى أى إنسان بمشاعر طبيعية. فالليل الذى يستخدمه معظم الناس وسيلة للسهر والترفيه والمتعة, هذا الليل الذى ينتظره العشاق لاقتناص لحظات من الحب والسعادة, هذا الليل الذى يمتلئ بالأضواء والاحتفالات والمهرجانات، هذا الليل على اتساعه وامتداده ونجومه, ينتظره الفقراء فى مصر, وهم بالملايين, ليستتروا فى ظلمته من عورة الفقر.

إن مقولة هذه السيدة المصرية الأصيلة، تصلح وبامتياز لإعداد برنامج انتخابى متكامل لجميع المرشحين فى مجلس النواب المقبل، يقوم على حل مشكلات البطالة والعشوائيات وجنون الأسعار, لأنه من العبث أن نفخر بإقامة نظام تشريعى ودستورى نزيه، ونحن نترك بلا رحمة أمثال هذه السيدة البائسة تقضى يومها فى انتظار الليل كى يسترها. إن مواجهة الفقر لن تكون بتوزيع الحقائب التموينية فى الانتخابات بصفتها رشاوى انتخابية, للسطو على أصوات الفقراء, ثم بعد الحصول على مقعد البرلمان نتركهم مرة أخرى للعراء والجوع والبؤس والشقاء، وكأن أصوات هؤلاء المصريين البسطاء لا تساوى إلا هذه الوجبات القليلة، بل يتحتم على البرلمان الجديد أن يكون أساس تشريعاته إقرار العدالة الاجتماعية, وإنصاف كل المظلومين والمحرومين والمهمشين فى مصر.

إن القضاء على الفقر هو الإنجاز الأكبر الذى ننتظره من البرلمان المقبل، لكن البرلمان وحده لن يحقق هذا الحلم، بل على كل الأطراف فى مصر أن تتحرك نحو هذا الهدف، من رجال أعمال لإنشاء المصانع والمشروعات، وحكومة ترعى المحتاجين وذوى الدخل المحدود فى سياساتها وقراراتها, حتى نستر الفقراء فى مصر, ونضيء ليلهم المظلم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف