ناصر عراق
جائزة ساويرس الثقافية.. المعنى والدلالة
التحية واجبة لرجل الأعمال نجيب ساويرس لتأسيسه جائزة ثقافية تحمل اسمه، ورغم أن مصر بها مئات من رجال الأعمال الذين راكموا الأرباح الطائلة على مدار سنوات طويلة وما زالوا، فإن أيًّا منهم لم يفكر في تقديم الرعاية اللائقة بالثقافة والآداب والفنون سوى ساويرس، وهو أمر يبدو غريبًا في بلد يملك إرثا إبداعيًّا بالغ الثراء والتنوع.
لقد تابعت أمس -من مكتبي بدبي- حفل توزيع جوائز الدورة الحادية عشرة لمؤسسة ساويرس الثقافية، وسررت كثيرًا بالفائزين، خاصة الصديق العزيز وحيد الطويلة الذي قطف المركز الأول عن روايته البديعة (باب الليل)، والروائي الشاب الموهوب أحمد إبراهيم الشريف الذي نال المركز الثاني عن روايته المدهشة (موسم الكبك)... وتساءلت: لماذا لا يُقدِم رجال أعمالنا على إطلاق جوائز في الإبداع والعلوم والابتكار؟
في اعتقادي أن رجل الأعمال المصري لا يمتلك الحس الاجتماعي السليم من ناحية، ولا يدرك الدور المؤثر للثقافة في نهضة المجتمع واستقراره من ناحية ثانية، الأمر الذي ينعكس حتمًا على استمرارية رجل الأعمال نفسه في العمل وكسب المزيد من الأرباح.
هل رجل الأعمال المصري ضيق الأفق؟
أجل... بكل أسف، إلا من رحم ربي، وأحد أسباب ثورة يناير ضد مبارك أن رجال الأعمال لم يلعبوا الدور المنوط بهم في الحفاظ على التوازن الاجتماعي، وظنوا أن مراكمة الأموال في جيوبهم هي الهدف الأول والأخير والوحيد، وهو ظن فاسد لا ريب، ذلك أن هناك استحقاقات اجتماعية يتحتم أن يؤديها رجل الأعمال للوطن الذي وفر له الفرصة لينضم إلى قبيلة الأثرياء، فالوطن لا يختزل في كيس نقود!
اللافت والجميل أن كثيرًا من رجال الأعمال في دول الخليج انتبهوا إلى ضرورة تشجيع العمل الثقافي وتخصيص الجوائز السخية للمبدعين والموهوبين، حتى يتحقق التوازن الاجتماعي المأمول، فعلى سبيل المثال أطلق الشاعر الإماراتي الراحل سلطان العويس جائزة ثقافية تحمل اسمه في دبي، وقد صارت أهم جائزة عربية الآن من حيث القيمة المعنوية والمالية لها حتى بعد رحيل مؤسسها، إذ بلغ عمر هذه الجائزة المرموقة نحو 30 عامًا، وكذلك أعلن الشاعر الكويتي عبد العزيز البابطين عن تأسيس جائزة باسمه قبل ربع قرن أو يزيد، وقد حققت الكثير من المصداقية في المجتمع الثقافي العربي.
أما في أوروبا فكلنا يعرف كيف احتضن الأمراء والأثرياء الرسامين والنحاتين والأدباء في عصر النهضة، ومنحوهم الرعاية الكاملة وها هي إبداعات هؤلاء المبدعين الأفذاذ تتألق في لوحات وتماثيل وصروح ونصوص تلهم الخيال وتسحر الألباب من قرن إلى آخر!
ليت رجال الأعمال لدينا يتعلمون من نجيب ساويرس، أما الفائزون بجائزته فيستحقون الحفاوة والتقدير، فألف مبروك للجميع.