المساء
محمد جبريل
ع البحري -صلاح أبو سيف
يحتفل الوسط الثقافي. والسينمائي خاصة. في هذه الأيام بالعيد المئوي لميلاد صلاح أبو سيف.
كان آخر رؤيتي لصلاح أبو سيف وهو يعبر ميدان التوفيقية.
قلت مداعبا: أحيا بالأمل أن تخرج فيلما عن رواية لي.. قال وهو يسرع في خطواته ناحية شارع عرابي: أنا الآن مخرج معتزل.. لا تأمل سوي أن أقرأ لك!
وإذا كان صلاح أبو سيف قد أكد أن قرار اعتزاله السينما يعود إلي تقدم أعوام عمره. وهو ما تزامن - كما عرفنا فيما بعد - بتمكن السرطان من أجزاء في جسمه.. فلعلي أتصور أنه لا تقدم العمر. ولا المرض. كان باعثا حقيقيا لقرار أبو سيف بالاعتزال .. فقد كان الرجل يمارس حياته بصورة كاملة. وشارك في كل المناسبات التي أقيمت لتكريمه في عيد ميلاده الثمانين. وابتسم لاشفاقي عليه وهو يتابع. إلي وقت متأخر من الليل. فقرات الاحتفال بتكريمه في أسيوط!
أصارحك بأن أفلام صلاح أبو سيف كانت هي الأقرب إلي نفسي. لعدة عوامل. أهمها المصرية الحقيقية التي تعبر عنها. وتنبض بها. أنت في أفلام أبو سيف تتنفس البيئة المصرية. تشاهد أشخاصا تلتقي بهم في حياتك العادية.. فضلا عن أن واقعية أبو سيف ترفض البهلوانيات والشقلباظات والميلودراميات الفاقعة التي تدين السينما المصرية بفضلها لمخرجين أقدموا علي الإساءة بما لا يباري!.. إنها واقعية تحترم عقل المشاهد. وتحسن مخاطبته. ولا تبهره برقصات واستعراضات وأحداث مفتعلة وصرخات متشنجة ونحيب. ولعلي أسمح لنفسي بالمقارنة بين واقعية أبو سيف في القاهرة الجديدة - علي سبيل المثال - وواقعية الأفلام المأخوذة من روايات نجيب محفوظ - الثلاثية تحديدا - لناظر مدرسة الروائع الشهير!.
من ميزات صلاح أبو سيف الواضحة أنه لم يكتف بالمتاح.. البديهي أن يكون السيناريو سابقا لعملية الإخراج. لكن نظرة أبو سيف إلي صناعة السينما حرصت علي البانورامية.. فهو يجد في الفيلم السينمائي تعبيرا عن مجموعة مواهب تتضافر في تقديم عمل فني متكامل.. لذلك كان التفات أبو سيف إلي موهبة نجيب محفوظ في تقديم الصورة السينمائية. فعرض عليه أن يكتب السيناريو للسينما. وأفلح في أن يخرج محفوظ من صومعة الإبداع الروائي - لسنوات - قدم خلالها إلي السينما المصرية مجموعة من أجمل الأفلام. مثل لك يوم يا ظالم. مغامرات عنتر وعبلة. الوحش. ريا وسكينة. درب المهابيل. شباب أمرأة. الطريق المسدود. بين السماء والأرض. وغيرها.. واللافت أن اشتراك صلاح عز الدين في كتابة سيناريو فيلم "بداية ونهاية" كان هو إسهامه الوحيد في السينما المصرية. وقد جاء بمبادرة من صلاح أبو سيف!.
تتلمذت علي صلاح أبو سيف في الدفعة الأولي لمعهد السيناريو..پوكان المعهد وليد فكرة أبو سيف. ثقة منه بأن السيناريو هو البعد الأهم في الفيلم السينمائي. وعلي حد تعبير نجمة السينما العالمية مارلين ديتريش. فإن كاتب السيناريو المتفوق يستطيع أن يضع سيناريو جيدا من قصة تافهة. والمخرج المحدود الامكانات يستطيع - إذا التزم بتعليمات كاتب السيناريو المتفوق - أن يقدم فيلما جيدا. ولأن صلاح أبو سيف لم يكن مجرد مخرج سينمائي تشغله أفلامه. وإنما تشغله صناعة السينما ككل. فقد وجد في رئاسته لمؤسسة السينما. في أوائل الستينيات. فرصة لتحقيق الأسلوب العلمي في السينما. من خلال خريجين متخصصين في المجالات المختلفة. وفي مقدمتهم كتاب السيناريو.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف