نعم، تحت رحمة موظف الحكومة... كل يوم يعيش فيه المواطن تحت رحمة موظف الحكومة... حين يستيقظ من نومه ليجد أن لديه مصلحة حكومية عليه قضاءها، سواء هذه المصلحة تخص انتهاء رخصة قيادته، أو لانتهاء تاريخ بطاقته الشخصية، سواء ينوي عمل توكيل في الشهر العقاري أو استخراج شهادة ميلاد... المهم إنه يصبح يوم (ما طلعتلوش شمس) ثقيل مليء بالعراقيل، والتي يستيقظ المواطن فيه علي المرور بإجراءات كثيرة، عادة لا تنتهي بالانتهاء من مصلحته أو انقضاءها... لماذا؟
لماذا هذه يطول شرحها! بداية الحكاية، عندما كنت أجلس في مكان عام منذ أيام قليلة، فجاءت صاحبة العمل تستشيط غضبا من غياب الفتاة التي تساعدها.. وقامت هي بالعمل كله وحدها.
وما أن دخلت هدى (الفتاة التي كانت من المفترض أن تحضر لتساعد صاحبة المحل) في حوالي الثانية عشرة والنصف ظهرا، حتى انفجرت في البكاء والصراخ، من المهزلة التي عاشتها في هذا اليوم لتقضي مصلحة شخصية في الشئون الاجتماعية.. وبالرغم من استئذانها من صاحبة العمل أن تتأخر ساعة عن العمل، حتى تتمكن من أن تكون واقفة في الثامنة صباحا أمام الموظف، لتنجز مهمتها.. فقالت: "هُمّا الموظفين دول إيه.. مش مواطنين زيّهُم زيّنا.. هُمّا مش برده بيجيلهم يوم يقضوا فيه مصلحة لهم.. أمّال ليه بيتعاملوا بالشكل ده.. وليه بيدوخونا بالطريقة دي.. وبالرغم إني كنت مفروسة جدا، لكني مش قادرة أفتح بُقّي عشان أنا تحت رحمته وعاوزاه يخلص لي الشُغلة".. وانهارت الفتاة في البكاء.. وطبعا صاحبة العمل لم تقوى على بهدلتها في مسألة التأخير، كما كانت تنوي منذ البداية، لأنها عرفت أن هدى ليس لها ذنب فيما حدث!
مع الأسف، حكاية هدى هي حكاية يعيشها ألاف المواطنين المصريين يوميا ليُنجزوا مصلحة ما.. بداية من تصوير ورقة، فيذهب المواطن لآخر الشارع الذي به مصلحة أو شهر عقاري، ليقوم بتصويرها، مرورا بشراء الدمغة، إن توفرت في نفس المكان، وإن لم يكن، على المواطن الذهاب لأقرب بُوسطة لشراء دمغة، وصولا إلى إن الموظف في النهاية ينظر في وجه المواطن وإن لم يعجبه شكله، يؤجل له المهمة ليوم أو لأيام أخرى!
من قلبي: أقول لكل مواطن، إياك وأن ترضى بأن تكون تحت رحمة أي موظف حكومة، فإذا وجدت الموظف لا يقوم بعمله كما ينبغي، فيمكنك أن تشتكيه لرئيسه في العمل، وإذا كان رئيسه غير منضبط، فارفع شكواك للأعلى من رئيسه، وإن لم تجد استجابة، فعليك برفض هذه المهزلة بأي وسيلة.. فنحن، بتفريطنا في حقوقنا، نعطي كل موظف الحق أن يتحكم فينا ويقرر مصائرنا.. فمصيرنا بيد الله وليس بيد الموظف، حتى إذا كان يعتقد أنه وضع المواطن تحت رحمته.. فلابد من إصلاح الكثير مما أفسدته السنون الماضية من تراخي وإهمال.. ولابد من قوانين صارمة للعمل الحكومي.. زهقنا من (مع السلامة وفوت علينا بكرا).
من كل قلبي: سيادة الرئيس، أعلم أن أعباءك اليوم تفوق كاهلك.. لكن هذا البلد هو رعيتك وأنت الراعي.. فإذا كان المسئولين الموجودين لا يقومون بعملهم كما ينبغي، فعليك إذن، تقويمهم وإصلاحهم أو رفدهم ما داموا لا يستطيعون تحمل المسئولية وغير كفء للمناصب التي يتولونها.. أعلم أن التركة ثقيلة والموروثات أثقل.. لكن عليك الطرق بيد من حديد!