الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية- بحيرة السد.. من نافذة الطائرة
من نافذة الطائرة- ونحن متجهون من القاهرة إلي أسوان- كان البحر الأحمر علي البعد بلون مياهه الزرقاء.. بينما كان هناك هذا الشريط الأخضر، أي نهر النيل وما حول ضفتيه من شريط زراعي هزيل.. بينما كانت سلاسل الجبال والتلال تملأ الصورة.. مع كثبان الرمال، وكان واضحاً تلك التجاعيد التي شقتها مياه السيول والأمطار، التي حفرت مجاريها في عمق هذه الجبال والتلال.. وهذا يؤكد ان مصر عرفت عصوراً مطيرة.. وبغزارة، ولم أرفع عيني عن رؤية ما تحت الطائرة، وكنت أتعجب من غلبة اللون الأصفر بينما كان اللون الأخضر يظهر خجولاً من سطوة اللون الأصفر.
وما أن اقتربت الطائرة من أسوان، حتي بدأت بحيرة السد العالي ولكنني رأيت بداية المأساة التي تهدد مصر: أرضاً وشعباً، رأيت ان منسوب المياه في البحيرة منخفض بشكل لافت للنظر.. فهل هذا بسبب انخفاض معدل المياه القادمة من المنابع، أم أن هناك أسباباً أخري.. الجواب عند وزارة الري.
<< ولكن ما لفت أنظاري هو وجود «تجمعات» مائية في المناطق المنخفضة من أرض بحيرة السد.. هذه التجمعات المائية- للأسف- منفصلة تماماً عن بعضها ولا رابط بينها، ومع استمرار هذا الجفاف، وإلي أن تصل مياه الفيضان الجديد.. فإن هذه المياه- رغم كثرتها- سوف تجف وتتبخر- وبالمناسبة حتي لو كانت البحيرة في قمة تخزينها كنا نفقد حوالي 10 مليارات متر مكعب سنوياً بسبب هذا البخر، فالمعروف هنا- في جنوب مصر- أكبر نسبة حرارة وبالتالي تبخر في أي مسطحات مائية.. فهل يا يتري ألم تفكر وزارة الموارد المائية في شق- أو حفر- عدد من القنوات لتتجمع هذه المياه.. وتعود للاتصال بباقي البحيرة، حتي لا نفقد هذه المياه بالبخر غالباً.. أو التسرب إلي الخزان الجوفي، حتي ولو بنسبة أقل.. أم يمكن «لأبناء النوبة» زراعة المناطق حول هذه التجمعات المائية- قبل أن تجف تماماً، ونخسرها بالتالي وأن يتم زراعتها بمحاصيل سريعة مثل الخضراوات والخس والفجل والجرجير والطماطم والخيار! وأيضاً بالبطيخ..علي الأقل لكي نستفيد من هذه المياه.
<< وهذا يذكرنا عندما استخدمنا «مياه مفيض توشكي» في زراعة مثل هذه المحاصيل.. لأننا لن نستطيع أن نستعيد هذه المياه من هذا المفيض المنخفض.. الذي لجأنا إلي استخدامها في الزراعة.. قبل أن تجف، وكنا قد استخدمنا أرض هذه المفيض عندما يزيد منسوب المياه في مواسم الفيضان العالية.. دون أن نحفر ترعة.. أو ننشئ محطة رفع عملاقة فقط.. أنشأنا ما يسمح لنا بنقل هذه المياه، من أعلي المفيض إلي أسفل الوادي، أو المنخفض.
وهنا.. هل نطالب بحساب ما يضيع علينا من المياه التي تتبقي في المناطق المنخفضة- داخل بحيرة السد- وهل نفكر عملياً إما باستغلالها في مستودعات زراعية صغيرة- دون أن يتسبب ذلك في تلويث خزان مصر المائي، أقصد بحيرة السد.. أو بعمليات شق ترع أو قنوات بسيطة لتتصل هذه التجمعات ببعضها البعض.. هل فكرنا في ذلك؟!
<< ويطرح ذلك فكرة إعادة توطين وتسكين أهالي قري النوبة القديمة «45 قرية» في المناطق المرتفعة حول هذه التجمعات المائية تماماً كما كانوا يعيشون حول مياه النيل سواء قبل تنفيذ مشروع خزان أسوان، أو بعده عندما فكرت الحكومة في نقل مساكن النوبيين إلي المناطق الأعلي بالذات ما بين إنشاء الخزان وقبل ثم بعد التعلية الأولي ثم الثانية.. وبذلك نحل المشاكل النفسية التي ترسبت في نفوس أهل النوبة.. وبالذات بعد أن عرفنا أن منسوب مياه بحيرة السد سيتوقف إلي حد كبير عند منسوب يسمح لنا بإعادة توطين أهل النوبة، في المناطق المرتفعة من داخل البحيرة.. وبذلك نكسب من التوطين والزراعة.. وكلها غير محسوبة من حصة مصر أو حتي من حصة السودان، شريكتنا في بحيرة السد بمقتضي اتفاقية تقاسم المياه الموقعة عام 1959 بين البلدين، أيام حكومة زكريا محيي الدين.
<< كل ذلك تداعي إلي ذاكرتي وأنا أنظر إلي منسوب المياه في البحيرة.. ونحن بعد في الطائرة، وقبل أن نهبط في مطار أسوان.
وعندما تحركنا- بالأتوبيس- من المطار إلي الفندق، عبرنا منطقة خزان أسوان.. وعلي البعد كان جسم السد العالي يبدو أمامنا.. بكل ما تحويه الصورتان- والمسافة بينهما حوالي خمسة كيلو مترات- ورأيت اختلاف المنسوبين، أمام وخلف الخزان.. وأمام وخلف محطة كهرباء السد العالي.. وشدتني صورة- أزعجتني كثيراً- هي تجمعات المئات من مراكب النزهة والفلايك التي كانت تمثل لقمة عيش للآلاف من أبناء أسوان، عندما كانت تنتعش السياحة الشتوية.
<< مئات مراكب النزهة والفلايك واقفة صامدة مثل جنادل أسوان الجرانيتية.. ولكن هل يصمد أبناء أسوان لما يعانونه من مشاكل بسبب ما جري لموسم السياحة؟! وإلي متي يصدمون؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف