بين الرئيس الأسبق حسني مبارك والممثل أحمد عز، وجه شبه أو مفارقة تاريخية جمعت بينهما، بدأ الأسبوع بحكم محكمة النقض ضد مبارك في قضية القصور الرئاسية، حيث تمت إدانته بشكل نهائي، حكم نهائي وبات، صار مبارك يحمل لقب " فاسد "، وهو مطالب برد مبالغ مالية قدرتها المحكمة بـ 147 مليون جنيه، يجب أن تعود إلي الدولة، وانتهي الأسبوع بحكم محكمة الأسرة لصالح الممثلة الشابة زينه ضد أحمد عز في قضية نسب طفليها التوأم.
الممثل الشاب، يمتلك موهبة وينتظره مستقبل فني واعد، أتصور أن تلك القضية سوف تؤثر علي خطواته الفنية وعلي نجوميته، خسر سمعته في سبيل إنكار طفليه التوأم، وعرّضَ بهما وبأمهما أمام المحاكم، ليتهرب من مسئوليته وأبوته، ويعيش حراً طليقاً، بلا أي مسئولية، نحن أمام نموذج عشق الذات، حتي لو أدي إلي إنكار الأبناء وعدم الإعتراف بهم.
الرئيس الأسبق، خسر سمعته وشرفه العسكري والبطولي، من أجل إرضاء أو ما يتصور أنه إسعاد لإبنيه، وماضيه ليس هيناً، هو أحد قادة حرب أكتوبر 1973، كان قائد سلاح الطيران وقائد الضربة الجوية الأولي، ومقاتل من طراز فريد، لعب دوراً مهماً في إعادة بناء القوات الجوية بعد هزيمة 1976، وبعدها صار نائب رئيس الجمهورية لمدة تقرب من ست سنوات، ثم رئيس الجمهورية لمدة 30 سنة، كان ناجحاً في العشر سنوات الأولي منها. ثم أخذ في التراجع بعد ذلك..
الممثل أنكر ابنيه وأمهم من أجل ذاته، والرئيس السابق أنكر نفسه وتاريخه تماماً من أجل ابنيه، وإن شئنا الدقة.. ضيّعَ تاريخه.
في الزمن القديم قال أبو العلاء المعري : هذا ما جناه أبي عليَّ وما جنيتُ علي أحد، وكان المعري ينطلق في ذلك من موقف وجودي صارم، يقوم علي اليأس من الحياة كلها، تري هل يتم تعديل هذا البيت ليصبح : هذا ما جناهُ ابني عليّ، أم نقول : هذا ما جناه الأب علي نفسه، من الجاني ومن المجني عليه ؟ في حالة مبارك.. هل أضر الأب بإبنيه ودمرّ مستقبليهما حين أطلق العنان لهما، فيما لا يجوز لأي منهما الإقتراب منه وفتح أمامهما بوابة جهنمية تُغري في البداية، لكن الخاتمة تكون كارثية؛ أم أنهما ضغطا عليه وقاما بتوريطه في طموحات ورغباتهما، ولم يتمكن هو عاطفياً من أن يمنعهما ويوقفهما..؟
في حالة عز هناك بالتأكيد جريمة أخلاقية وقعت في حق طفلين بريئين، لا شأن لهما بخلافات النجمين، ولا استشعار أحدهما أنه لا يليق به الإرتباط العلني بالآخر، وفضل الاكتفاء والاستمتاع بسرية العلاقة.
اجتماعياً وإنسانياً نري يومياً آباء يضحون وينكرون ذاتهم من أجل أبنائهم، يكدحون في عمل متواصل طوال اليوم وبعض الليل، أو سفر واغتراب سنوات طوال لتأمين فرص تعليم وحياة أفضل لأبنائهم، وكذلك نري يومياً آباء مستهترين، يعكفون علي ملذاتهم ورغباتهم، مع إهمال لواجباتهم تجاه أبنائهم وتَهرُب من مسئولياتهم، نموذج المرأة المعيلة في مصر يكشف في جانب منه عن تلك النوعية من الآباء الذين يهجرون البيوت، هرباً من المسئولية.
أن يهرب أب من مسئولياته أو يفني ذاته ويفقد سعادته وراحته لإسعاد أولاده، أمر إيجابي وإنساني في النهاية، يلقي الأب عليه الاحترام والتقدير، فضلاً عن التعاطف الإنساني، نحن نحترم ونقدر بشدة الأباء المكافحين، الذين يكدحون لتأمين حياة كريمة وشريفة لأبنائهم، خاصة إذا جاء ذلك علي حساب راحتهم وسعادتهم، وهذا يختلف تماماً، عن إنكار الأبناء، أو أن يفقد الأب شرفه من أجل أولاده، هنا نكون اقتربنا من عالم الجريمة خاصة وأن مبارك وعز لم يكن أي منهما مضطراً لأن يفعل ما فعله ولا يجبرا عليه، هل هو الضعف الإنساني، أم أن قوة المركز والشهرة والنجومية يمكن أن تصور لصاحبها أنه بمنأي عن القانون، وأنه القانون ذاته وما يفعله هو الصواب ؟ !