ساهم الإخوان بنصيب وافر فى تجهيل الرأى العام عن الجماعة، حيث كانوا -ولا يزالون- يعتبرون الجماعة شأناً داخلياً، وأنه لا يحق لأحد أن يطلع عليه، لذا كان حجم المتاح من المعلومات عنها قليلاً للغاية، مع ذلك، كان جهاز مباحث أمن الدولة يعلم عنها الكثير، مما لا يتصوره الإخوان أنفسهم، وذلك من خلال المتابعة المستمرة -اللصيقة والدقيقة- عبر سنوات طويلة، ناهينا عن مداهمة البيوت والحصول على ما بها من أوراق، والاستدعاءات التى كانت تتم بشكل دورى أو شبه دورى إلى مقار مباحث أمن الدولة، فضلاً عن أعمال التنصت (العادى والتقنى) على الأشخاص والمقرات وأماكن الاجتماعات، وقد نشأت عن ذلك مجموعة من الأمور، أولها: اتباع الإخوان أسلوب التورية، والمراوغة، والكذب على نحو يذكرنا بالتقية المتبعة لدى الشيعة، وذلك للتعمية وإسدال ستار كثيف على ما يخص الجماعة، على اعتبار أنها أسرار لا يجوز الخوض فيها، فلا بأس من أن يكذب «الأخ» إذا سئل من قبل أى إنسان: أين كنت؟ ومع من كنت؟ وإلى أين أنت ذاهب؟ وماذا كنت تفعل؟ وينسى هؤلاء أننا نعيش ثورتى معلومات واتصالات، بل عالم السماوات المفتوحة، التى أصبحت فيها خصوصيات الدول والمنظمات والشعوب معروضة ومتاحة، سواء لمن يمتلك الأجهزة التقنية المناسبة، أو لمن يريد أن يدفع الثمن، والمشترون -كما نعلم- كثيرون، ولأن هذا الأسلوب كان متبعاً ومعتاداً لفترات طويلة، فقد لازم الإخوان حتى بعد ثورة ٢٥ يناير، ووصولهم إلى السلطة. ثانيها: وجود فجوة هائلة بين القيادة وأفراد الصف، وبين أفراد الصف أنفسهم، وقد ترتب على هذه الفجوة أمران: ١- ترك أفراد الصف لأنفسهم، فلا أحد يجيب عن تساؤلاتهم التى يثيرونها عن الجماعة وقياداتها، أو حتى عما يجرى على الساحة من أحداث، ولا أحد يقترب من مشكلاتهم الكثيرة التى يعانون منها، سواء كانت مشكلات خاصة أو عامة، ٢- وجود تصنيفات داخل الإخوان، من حيث الثقة فى أفراد بأعينهم وبالتالى إطلاعهم على معلومات لا يطلع عليها غيرهم، الأمر الذى أدى إلى انتشار توجسات وتخوفات من البعض تجاه البعض الآخر، فضلاً عن انتشار ثقافة المداهنة والتملق ومحاولة التسلق إلى المواقع القيادية المختلفة بطرق أقل ما يقال عنها إنها غير أخلاقية، ثالثها: الانتخابات التى كانت تتم، تفتقر إلى أبسط المعايير، فهى تجرى فى غرف مغلقة (بعيداً عن أعين جهاز مباحث أمن الدولة)، وبشكل سريع حتى لا يفاجأ المجتمعون بما لا تحمد عقباه، ودون أن يعرف بعضهم البعض الآخر على وجه الدقة، الأمر الذى دفع بالكثيرين (من غير المؤهلين) إلى مواقع قيادية، رابعها: تحول التنظيم من وسيلة إلى غاية، وذلك لمواجهة التضييق والملاحقة والمتابعة التى كان يقوم بها نظام الحكم، فضلاً عن الضربات الأمنية التى كان يوجهها إلى العناصر المفصلية فى الجماعة بهدف إرباك استراتيجيتها وتعويق حركتها وتقليص نشاطها، من هنا كان الحفاظ على التنظيم له الأولوية الكبرى عما سواه، وفى سبيل ذلك كان يغض الطرف عن كثير من الممارسات الخاطئة، وكانت القاعدة الحاكمة فى ذلك هى ألا يعرف الفرد داخل الجماعة إلا مساحة محدودة جداً من المعلومات تعينه على أداء دوره من ناحية، وتعصمه من الإدلاء بغيرها حال تعرضه للتعذيب من ناحية أخرى، أذكر جيداً أنه حتى أواخر عام ٢٠٠٩، لم يكن أكثر من ٩٥٪ من قيادات الجماعة يعلمون شيئاً عن اللائحة التى تنظم عمل الجماعة، بحجة أن ضبط هذه اللائحة فى بيت أحدهم هو دليل على وجود التنظيم، الأمر الذى كان مجرماً، وإذا كان هذا هو حال قيادة الجماعة، فما بالنا بالأفراد(!)، وخامساً: عدم استطاعة أعضاء مجلس الشورى أن يعقدوا جلساتهم، سواء لمناقشة السياسات والتوجهات العامة للجماعة، أو لتقويم أداء الجهاز التنفيذى للجماعة، أو لوضع تعديلات للائحة الداخلية المختصة بعمل الجماعة ونشاطاتها المختلفة، ويكفى أن يقال إن جلسة مجلس الشورى العام التى انعقدت فى ١٣ يناير ١٩٩٥، كانت الجلسة التالية لها فى ١٠ فبراير ٢٠١١، أى بعد ١٦ عاماً، وخلال تلك الفترة آلت كل صلاحيات مجلس الشورى إلى مكتب الإرشاد، وبالتالى، لم تكن هناك مناقشة أو تقويم، أو محاسبة على أداء المكتب، بل كانت معظم المشكلات والمخالفات تؤجل أو ترحل إلى حين ميسرة، ثم يسدل الستار عليها بعد ذلك، وعلى النقيض من كل التنظيمات الإخوانية فى الدول المختلفة، من حيث انفصال مجلس الشورى عن الجهاز التنفيذى للجماعة (رئاسة وعضوية ومهام) كان الوضع فى تنظيم إخوان مصر مختلفاً تماماً، فرئيس مجلس الشورى هو المرشد، الذى يقبع على رأس الجهاز التنفيذى للتنظيم، علاوة على أن الـ١٤ عضواً الذين يمثلون مكتب الإرشاد (الذى يعتبر أعلى سلطة تنفيذية فى التنظيم)، هم فى نفس الوقت أعضاء فى مجلس الشورى، ليس هذا فقط، وإنما كان الـ٣٢ عضواً تنفيذياً الذين يمثلون رؤساء المكاتب الإدارية، هم أعضاء فى مجلس الشورى، بل كان لمكتب الإرشاد أن يختار «انتقاء» ١٥ عضواً من ذوى الكفاءات لتعيينهم كأعضاء فى المجلس، فإذا اعتبرنا أن عدد أعضاء مجلس الشورى لم يكونوا يزيدون آنذاك على ٨٥ عضواً، فيمكننا القول إن أكثر من ٧٠٪ من المجلس هم فى الأساس تنفيذيون، نتج عن هذا أنه لم تكن هناك شورى حقيقية داخل الجماعة، فمكتب الإرشاد (وعلى رأسه المرشد) هو المتحكم فى كل أمور الجماعة، وبالتالى ما كان يريده هو ما ينفذ دون أدنى تعقيب، فإذا وضعنا فى الاعتبار أن هذا المكتب كان خاضعاً لأشخاص معينين، لأدركنا أن الجماعة كانت تسير مبكراً إلى نهايتها، وقد تنبأت بذلك أواخر عام ٢٠٠٩، وعندما قامت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وتمتع الجميع -بمن فيهم الإخوان- بقدر كبير من الحرية، نصحت الإخوان بأن هذه فرصة عظيمة يجب أن تنتهز لإجراء عدة أمور، أولها: تعديل اللائحة الداخلية للجماعة بما يتلاءم مع الأوضاع الجديدة، فما كان مناسباً لظروف التضييق، لم يعد مناسباً لظروف الحرية، ثانيها: الفصل الحقيقى بين ما هو شورى وتنفيذى، وأن يمارس مجلس الشورى مهامه على الوجه الأكمل، ثالثها: أن تجرى انتخابات جديدة بمعايير صحيحة وسليمة، بحيث تؤدى إلى فرز قيادات مؤهلة ومناسبة للظروف الجديدة، لكن للأسف، قد أسمعت إذ ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادى!