الأهرام
عبد الرحمن سعد
الانفعال بالقرآن
وهل هناك أروع من: وَجَل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجلد، وهدوء النفس، وسكينة الجسم، وحضرة العقل، وجلاء الفهم، وصفاء الذهن، وحلاوة التلقي عن الله عز وجل.. في حضرة القرآن الكريم؟
إنه الانفعال بكلام الله، وحديثه للعالمين.. عند قراءته، أو استماعه، أو استحضاره، أو تعلُّمه.. وهو وصف أطلقه تعالى على عباده الصالحين.

فقال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ".(الأنفال:2).

وقال سبحانه: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) (الزمر).

وقال تعالى: "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.(83)".(المائدة).

وقال سبحانه: "قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)".(الإسراء).

وقال تعالى: "إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً".(مريم:58)

ومن حديث أبي هريرة في "السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".

فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - شديد الحرص على ما كان يلقنه المَلَكُ من الوحي، لذا كان يسارع بالنطق مما يسمعه منه قبل أن يتم كلامه كي لا ينسى ما سمع منه، فكان يعاني من ذلك شدة، ومشقة.. فنهاه ربه عن هذا التعجل، وأمره أن ينصت حتى يُقضى إليه وحيه، ووعده بأنه آمِن تلفته بالنسيان، أو غيره.

فروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ".. قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: "لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ.. إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ.. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ"، (القيامة:16 - 18). قال: "فَاسْتَمِعْ لَهُ، وَأَنْصِتْ".

"ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ": "ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، وأن نبينه بلسانك". فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، وفي لفظ: اسْتَمِعْ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّه". (أخرجه البخاري ومسلم).

والأمر هكذا، "كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مولعاً بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، فيحفظه ويفهمه، مصدقاً لوعد الله: "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ". (القيامة:17).. أي: "إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه".

فكان بذلك أول الحفاظ. ولصحابته فيه الأسوة الحسنة، شغفاً بأصل الدين، ومصدر الرسالة، وقد نزل القرآن في بضع وعشرين سنة، فربما نزلت الآية المفردة، وربما نزلت آيات عدة إلى عشر، وكلما نزلت آية حُفِظت في الصدور، ووعتها القلوب".

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف