ماذا تعني الحصانة عند النواب الجدد، وهل تشمل هذه الحصانة حمايته أيضاً من سلوكياته خارج البرلمان، أم يجب أن نعيد النظر بالكامل في معني الحصانة والهدف منها.
ذلك أن الهدف السامي من الحصانة البرلمانية هو حماية العضو فيما يقوله تحت البرلمان وليس حتي في ركن سيارته في الشارع أو في السير العكسي وربما عندما ينزل أحدهم ليشتري خضار بيته مثل باقي خلق الله.
<< وبمناسبة بدء عمل البرلمان الجديد تعالوا نطرح وبشدة حكاية الحصانة البرلمانية والهدف منها.. وهي تشبه إلي حد كبير الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها سفراء وأعضاء أي سفارة مسجلة أسماءهم في وزارة الخارجية.. ورغم ذلك فإن الحصانة الدبلوماسية تسمح للسلطات بتفتيش من يتمتع بها، في حضور ممثل للسفارة وممثل لوزارة الخارجية.. فهل يرفض أي نائب تفتيشه في المطار، مثلاً أن نستدعي الأمين العام لمجلس النواب ليحضر عملية التأمين، وهي عملية هدفها الأول والأخير، هو تأمين سيادته- ضمن عملية تأمين باقي الركاب.
<< دعونا هنا نطرح من جديد عملية الحصانة البرلمانية كما أفهمها- تنطبق فقط علي كل ما يقوله، أو يفعله النائب تحت القبة.. أي علي ما يقوله أو يعلنه أو يصرح به وهو داخل البرلمان، وبالذات تحت القبة.. حتي يستطيع أن يتكلم بكامل حريته ويعبر عن رؤيته في أي شيء يتعلق بقضية وطنية.. وهو يخشي أن تطارده الحكومة أو توقفه.. أو تمنعه من الكلام أي تقيد حريته، وهو يمثل الأمة تحت قبة البرلمان. وبالتالي يجب ألا تمتد هذه الحماية، أو الحصانة، إلي أفعاله الخاصة.. خارج قاعة المجلس، أي بعيداً عن القبة.. والحصانة هدفها- أيضاً- ألا تطارده الحكومة أبداً. حتي يزاول حقه في الرقابة علي أعمال الحكومة كلها حتي خارج البرلمان.. فما جاءت البرلمانات إلا لتكون رقيبة علي أعمال الحكومة.. ونقدها وحماية الشعب من تجاوزاتها.
<< من هنا جاءت فكرة أو مبدأ منح النائب هذه الحصانة.. وهنا أتذكر أشهر واقعة حدثت في البرلمان المصري أيام الملك «فؤاد».. عندما أحس نواب الشعب أن الملك يفكر، أو حتي يحلم، بالعبث بالدستور لاستعادة بعض ما سلبه دستور 23 من سلطات الملك ومنحها للبرلمان نفسه.. هنا وقف النائب الوفدي الكاتب الشهير عباس محمود العقاد وقال ملوحاً- وهو تحت القبة- ان الشعب يرفض أي عبث بالدستور.. وانه- وأنهم- في البرلمان قادرون علي رد هذا الاعتداء.. ولو بالأحذية.. وطبعاً كان «العقاد» يقصد الملك «فؤاد» نفسه.. ولكن الملك لم يقبل موقف «العقاد».. ولكنه وقف عاجزاً عن معاقبته بسبب ما قاله.. ولأنه قال ذلك وهو «تحت القبة».
هنا انتظر الملك «فؤاد» خروج «العقاد» من عضوية البرلمان ولفق له قضية وحكم عليه بالحبس.. وفهمت الأمة «هذه الفولة».. معني ذلك أن الملك «فؤاد» «بكل جلالة قدره» لم يستطع أن يعاقب النائب عباس العقاد علي ما قاله وهو تحت القبة.. وهذا هو المعني الحقيقي للحصانة البرلمانية.
<< ولكن للأسف ان من بعض نوابنا من يعتقد أن الحصانة تسمح له بأن يفعل ما يريد.. وهنا يجب أن نحدد- ومن جديد- معني هذه الحصانة ومتي يتمتع بها النائب.. ومتي يجب أن يحاسب بعيداً عنها، مادام ما ارتكبه تم وهو بعيد عن قبة المجلس.
هذا هو ما أفهمه في موضوع الحصانة.. ولا أري غيره.. حتي لا يعود لنا نواب الكيف.. ونواب غرق عبارات الركاب.. ولصوص الأمة حتي ولو كانوا نواباً في البرلمان.