الصباح
سليمان جودة
فساد الــ600 مليار.. حقيقة أم أكذوبة؟!
أشعر بأن الخلاف بين الدولة، أو على الأقل بين أجهزة فيها، وبين المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، خلاف سياسى فى الأساس، وليس خلافًا مهنيًا، أو فنيًا، حول عمله كرئيس جهاز رقابى كببير!
فمنذ اللحظة التى قامت فيها ثورة 30 يونيو 2013، إلى اليوم، أصبح كثيرون داخل أجهزة مهمة فى الدولة، وخارجها، يتطلعون إلى جنينة، باعتباره إخوانيًا، أو ميالًا إلى الإخوان فى أحسن الأحوال، وعلى مدى الفترة الممتدة، من الثورة، إلى هذه اللحظة، بدا واضحًا، أن كثيرين داخل أجهزة كبيرة فى الدولة، ومؤسسات أكبر، ثم خارجها، غير قادرين على هضم أو استيعاب استمرار وجود الرجل فى مقارنة، بعد رحيل الإخوان.
وأذكر أننى تعرضت لهذا الموضوع، منذ فترة، ثم أذكر أننى قلت يومها، إنه من الواضح أن «الكيميا» ليست على ما يُرام، بين المستشار جنينة، وبين «المزاج العام» للدولة فى الوقت الحالى، إذا صح التعبير، وأن عليه بالتالى، أن يُعفى نفسه، ويُعفى غيره، من الحرج، وأن ينصرف من تلقاء نفسه، وسوف يكون هذا، حين يحدث، لصالح كل الأطراف بمن فيها طرف المستشار جنينة ذاته!
يعرف المتابعون للقضية بالطبع، أن رئيس المحاسبات ربما يجد نفسه مضطرًا هذا الأسبوع، إلى الوقوف أمام البرلمان، ليسائله عن تصريحات له، كان قد أطلقها قبل نحو أسبوعين، ثم أثارت ضجة، ولاتزال.. فلقد كان قد قال، إن هناك فسادًا فى الدولة، يمكن تقدير حجمه بما قيمته 600 مليار جنيه.. وقد نقلت وسائل الإعلام عنه، وقت إطلاق التصريح، أن هذا الرقم خاص بالفترة من مجىء الرئيس السيسى إلى الحكم، إلى اليوم.. ثم قيل بعدها، إن هذا غير صحيح، وأن الرقم خاص بالفترة الممتدة لخمس سنوات مضت.. وكان أن أمر الرئيس بتشكيل لجنة تتقصى الحقائق حول الموضوع، ثم كان أن تشكلت اللجنة فعلًا، وكان أن نظرت فى الأمر، ثم أعلنت نهاية الأسبوع الماضى، أن كلام رئيس المحاسبات عن فساد الــ600 مليار جنيه، ليس دقيقًا، وليس فى محله!
وبمجرد أن أعلنت اللجنة ذلك قامت الدنيا على صاحب التصريح، المستشار جنينة، ولم تقعد بعد، وقد نشط عدد من أعضاء البرلمان، فى جمع توقيعات تطلب حضور رئيس المحاسبات، أمام مجلس النواب، هذا الأسبوع، لمساءلته على عدم دقة كلامه، وذهب بعضهم إلى حد المطالبة بإحالته للنيابة، لأنه أطلق تصريحات بهذه الخطورة، دون أن يتحرى الدقة فيها، ولأنه ضلل الرأى العام بما قال، ولأنه تعمد أن يُطلق تصريحات بهذه الكيفية للتشويش على نظام حكم الرئيس السيسى.. ولا أعرف ما إذا كانت مثل هذه التوقيعات، سوف تنجح فى استدعائه أمام البرلمان، ثم لا أعرف ما الذى سوف يقوله، دفاعًا عن عدم دقة تصريحاته، إذا ما حضر أمام مجلس النواب فعلًا!
غير أن ما أعرفه، أن عليه أن يفكر فى طريقة ينجو بها مما أوقع نفسه فيه، ولن تكون هذه الطريقة، إلا نجاحه فى إثبات أن ما قام به صحيح، وأن دليل صحة كلامه، عن فساد الـــ600 مليار، هو كذا.. وكذا.. بالرقم، وبالمعلومة!
أقول ذلك دون أن أكون معه ودون أن أكون ضده بالدرجة نفسها، لأننى مع أن يكون رئيس المحاسبات واثقًا من صحة كل أمر يتكلم عنه، خصوصًا إذا كان هذا الأمر هو أمر فساد بالحجم الذى أشار هو إليه.. ثم إننى أعرف أيضًا، أنه لو ثبت أن ما قال به كان كلامًا مرسلًا، فسوف يعزز ذلك مما دار، منذ بدء ثورة 30 يونيو، عن أن جسد الرجل معنا، فيما بعد الثورة، وأن قلبه وعقله معًا، فى مكان آخر، وهذا ما لا نريده له ولا نرضاه!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف