الوطن
نشوى الحوفى
تدريب وتسليح المعارضة السلمية!
أدرك بطبيعة الحال أن زمن المنطق قد ولّى، ومعه زمن الحياء الذى ولى منذ أن احترق الذين اختشوا من خروجهم عرايا من حمام السوق فماتوا. بينما عاش من لم يجد غضاضة فى الخروج عارياً بمنطق قصار الهامة «عيش عريان تموت مستور»!

لكن، للعرى حدود وللفجور حدود، وفى بعض الأحيان يتطلب امتهانك الابتذال بعضاً من حصافة أو دهاء أو خبث لتدارى به دناءة خلقك وضياع منطقك.

وحديثى يا سادة عن اتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وتابعها «قفة» -عفواً تركيا- الخاص بتدريب وتسليح المعارضة السورية السلمية!!.. وتناسَ وتغاضَ عن علامات التعجب وتساؤلاتك الملحة بأن كيف يأتى التسليح والتدريب على القتال لمعارضة تدعى أنها سلمية، فتلك نقطة لا تمثل أهمية فى حوارات العبث التى تكشفت على مدى السنوات الأخيرة، لكن استرجع مشاهد تلك التمثيلية القميئة منذ قمة «ويلز» الماضية لحلف الناتو فى سبتمبر من العام الماضى. حينما ظهر لنا «أوباما» الفارس المغوار حامى حمى العالم مؤكداً تكوين دول التحالف الأربعين للقضاء على «داعش» كما قضى على القاعدة!.. وأرجوك لا ترفع حاجبك الآن وتتساءل: «قاعدة مَن التى قضى عليها؟» فهذا ليس وقته وركز فى موقف تركيا التى رفضت المشاركة فى ذلك التحالف على دبدبة قدم واحدة (ما آخدوش يا بابا ما آخدوش)، إلا بشرط اقتطاع عدة كيلومترات من حدودها مع سوريا لتدريب وتسليح المعارضة السورية السلمية.. وضع تحت «السلمية» مليون خط. يومها قيل الكثير والكثير عن الخلاف فى الرؤى بين أمريكا وتركيا. لكن العالمين ببواطن الأمور كانوا يدركون أن تركيا ستحصل على ما تريد لا لكونه ما تريد، لكن لأن تلك رؤية الناتو وزعيمته أمريكا فى إطار المزيد من التفتيت لسوريا وضعضعة نظامها والمؤيدين له (الصين وروسيا، وإيران لكن لحين). لذا أنظر لتصريحات أمريكا عن أن تركيا هى المورد لنحو 60% من المقاتلين فى سوريا، بلا مبالاة؛ فمن يتكلم عن مَن وعن ماذا؟

لكن، فى ظل تلك العبثية، لا بد أن أتساءل عن الدور الذى ستلعبه دول مثل السعودية وقطر فى دعم هذا الاتفاق التركى الأمريكى؟ هل سيواصلون تمويل الإخوان فى تلك الحرب؟ هل سيواصلون هدمهم لسوريا وشعبها الذى جاوز عدد لاجئيه ونازحيه المليونين؟

وتحاصرنى الأسئلة أكثر فأتساءل عن الموقف السعودى فى ظل تصريحات ومواقف أخيرة، منها استقبال رئيس تركيا فى زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام، وسبقتها تصريحات وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل المعلنة منذ أسبوعين عن عدم وجود مشاكل لبلاده مع «الإخوان» -رغم إعلانها كجماعة إرهابية من قبل السعودية- وتزامنها مع زيارة ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن نايف لقطر ولقائه بأميرها، ثم رحلة نايف الأخيرة لبريطانيا ولقائه بمسئولين هناك فى مباحثات غير معلنة. بالإضافة للقاء أوباما الأخير مع أمير قطر الذى طمأننا -الحمد لله- على سعيه لدعم الاستقرار فى مصر! (وكنا نخشى ألا يكون كذلك).

أتذكر كلمات الرئيس السيسى فى الكلية الحربية يوم الاحتفال بانتصار أكتوبر الأخير، حين نظر للملحقين العسكريين العرب قائلاً لهم إنه لن يتحدث عن وحدة ولكنه يتمنى تنسيق المواقف فقط حتى لا تضيع أمتنا. تُرى.. إلى أى مدى يتذكرون تلك الكلمات؟

نعم، نواجه حرباً منذ سنوات باتت فيها الكلمة الأولى لأجهزة المخابرات فى العالم لا الجيوش التى أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف ورؤى تلك الأجهزة المدعومة برؤية نظامها السياسى. وهو ما يحتم علينا الفهم الدقيق للمرحلة والوعى الهادئ الناضج بمجريات الأمور فيها. لتكون الغلبة فى النهاية لمن أتى الله بقلب سليم ساعياً لحماية أرضه ومواطنيه، لا دفاعاً عن عرش أو ملك زائل مهما طالت الحياة. فرغم عبثية الأحداث فى بعض الأحيان يبقى للمنطق مكانته لدى أصحاب العقول والضمائر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف