أحمد سليمان
في حب مصر التقرير.. والتقرير المضاد
لم أكن أنوي الخوض في التعليق علي أزمة تصريح المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات حول وجود فساد وصل حجمه 600 مليار جنيه خلال عام 2015 وهو ما أثار زوبعة في الوسط الإعلامي وبين الرأي العام. مما جعل المستشار جنينة يصدر بياناً يتضمن تفصيل هذه المبالغ. ثم قرار رئاسة الجمهورية بتشكيل لجنة لتقييم هذا البيان مع ما أكدته اللجنة من وجود خداع وتضليل للرأي العام في الأرقام الواردة في بيان المستشار جنينة الذي عقد بدوره مؤتمراً صحفياً ليفند ما جاء في تقرير اللجنة. وما تلا ذلك من لغط وتصريحات متبادلة من مؤيدي هذا الطرف وذاك حتي أصبحت القضية الآن : من المخطئ .. المستشار جنينة أم اللجنة الرئاسية؟ وتطور الأمر ووصل إلي تبادل الاتهامات بين الطرفين وما صاحب ذلك من مطالبات بإقالة المستشار جنينة أو استدعائه إلي مجلس النواب تمهيداً لعزله علي الرغم من مخالفة ذلك لقانون الجهات الرقابية الذي يؤكد عدم جواز عزل رئيس جهاز المحاسبات.
دعونا نتفق أولاً علي أن المستشار هشام جنينة يقف علي رأس أكبر جهاز رقابي في الدولة وقد كشف الجهاز خلال فترة تواجده العديد من المخالفات وقضايا إهدار المال العام في الوزارات والمؤسسات المختلفة. وقد نشرنا في ¢المساء¢ إحدي أهم هذه القضايا وهي المتعلقة بإهدار حوالي 72 مليار جنيه في وزارة المالية منذ عام 2007 خلال الاتفاق وبعد توقيع عقد منظومة دعم البنزين وتشغيل مركز التشغيل الإليكتروني مع شركة ¢إي فاينانس¢ بالإضافة إلي ستة عقود أخري. وهي القضية التي تمت إحالتها إلي المستشار النائب العام الذي أحالها بدوره إلي نيابة الأموال العامة.
بعيداً عن اتهام البعض للمستشار جنينة بانتمائه للإخوان ووجود سوء نية لديه بإثارته قضية الـ600 مليار جنيه فسادا في هذا التوقيت قبيل ذكري ثورة 25 يناير. وما أكدته اللجنة الرئاسية من تكرار أرقام في بيان الفساد الذي أعلنه المستشار جنينة واحتسابه عدم البناء علي أرض الدولة. وعدم إزالة التعديات علي مساحات كبيرة من الأراضي ـ رغم إزالة عدد كبير منها ـ إهداراً للمال العام وهو ما يعني تضليل الرأي العام .فإن هناك بعض الملاحظات:
أولاً: المستشار جنينة له كل التقدير والاحترام. حتي عند انتقاده فيما يخص بيانه أو ردوده علي تقرير اللجنة الرئاسية. ولا ينبغي التجاوز عند التحدث عنه.
ثانياً: يمكن لمجلس النواب بوصفه الممثل الشرعي والرسمي للشعب المصري أن يدعو المستشار جنينة لتوضيح الأمر برمته ومناقشته فيه من خلال اللجنة الاقتصادية أو حتي في إحدي الجلسات العامة للمجلس التي يجب أن تكون علنية ومذاعة علي الهواء مباشرة حتي يفهم الناس الحقيقة ويعرف العالم أن المستشار جنينة نيته حسنة أم غير ذلك.
ثالثاُ: إذا تبين سوء نية المستشار جنينة أو تأكد تضليله للرأي العام فيكفي وقتها أن يعرف الجميع الحقيقة ويمكن وقتها إجراء تعديل تشريعي في مجلس الأمة يسمح بعزله من منصبه. علي أن يكون ذلك مقيداً بشروط حتي لا يصبح أداة في يد الحكومة أو البرلمان لعزل أي رئيس لجهاز المحاسبات فيما بعد إذا كشف وقائع فساد تمس الحكومة أو البرلمان نفسه.
رابعاً: يحاول البعض الإيحاء بأن ما كشفه المستشار جنينة من حجم الفساد هو سبب الهجوم عليه وأن من يطالبون بعزله مؤيدون للفساد وداعمون له. أو أن الأمر وصل إلي خلاف بين المستشار جنينة ورئاسة الجمهورية. وهذا غير صحيح .. فالأوضاع الحالية التي تمر بها مصر لا تحتمل صدور تقارير مضللة سيكون لها انعكاساتها علي المستوي المحلي والدولي في ظل الحرب الشعواء التي تخوضها مصر علي كل الجبهات.
خامساً: لابد من سرعة حسم هذه الأزمة قبل أن تستفحل وتتسبب في زيادة حالة الخلاف في المجتمع. خاصة أن هناك من يزكي هذه الحالة لنشر عدم الاستقرار في هذا التوقيت.. فمصر أمامها من القضايا الحيوية ما يستدعي الاهتمام أكثر من مجرد صدور تقرير وتقرير مضاد ومعرفة من المخطئ. والأهم من كل ذلك الاستمرار في محاربة الفساد في كل المؤسسات. وهو ما يؤكد عليه الرئيس السيسي في كل مناسبة.