مؤمن الهباء
شهادة -جائزة البحيري والقمني
أرادت لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة التي يرأسها الأديب والصحفي يوسف القعيد أن تدخل إلي حلبة المصارعة.. أو المشاكسة.. أو المعاندة.. أو ربما تصورت أن المسألة مجرد هزار وفرقعة وتعدي.. فقررت ترشيح مولانا الباحث المدقق إسلام البحيري ومولانا العلامة المجدد سيد القمني لجائزة الملك فيصل العالمية التي تمنح لخدمة الإسلام.. وهو ما أثار سخطاً وردود أفعال غاضبة.. ووصفه البعض بأنه "استهزاء" بالجائزة وبالمرشحين لها.
وقد أراد وزير الثقافة حلمي النمنم أن يبريء ساحته من هذا الترشيح الشائن الذي يبدو أنه أعلن من قبل أن يصل إليه وفق ما تقضي به التقاليد فقال إنه قرأ هذه الترشيحات مثله مثل أي مواطن في الصحف وليس لديه علم بها.. كما أن الأمانة العامة للمجلس الأعلي للثقافة الذي تتبع له لجنة القصة ليس لديها أدني علم هي الأخري بهذه الترشيحات.
أضاف الوزير: أنا شخصياً أشك أن شروط الجائزة تنطبق علي بحيري.. ونحن في دولة مؤسسات وقانون.. ونحترم القانون.. وأنا شخصياً متعاطف مع إسلام ولكن في كل الأحوال يجب التعامل مع هذه القضية في إطار القانون والقضاء.. ولجنة القصة ليس من حقها أن ترشح لهذه الجائزة الآن.. هذه الجائزة تمنح لخدمة الإسلام والمسلمين وليست جائزة أدبية أو ثقافية.
ومثلما قال الوزير قالت د.أمل الصبان أمين عام المجلس الأعلي للثقافة نافية علمها بأمر الترشيح الذي لم يصلها بعد وبالتالي لم يقره المجلس.. وإنما هو ترشيح لجنة القصة التي هي واحدة من 28 لجنة تابعة للمجلس.. أما يوسف القعيد مقرر لجنة القصة فقد كشف أن هذا الترشيح جاء بموافقة جميع أعضاء لجنة القصة وعددهم 24 عضواً.. وأنه حزين للضجة المثارة.
علي الجانب الآخر رفض الأزهر الشريف التعليق علي الموضوع.. موضحاً أنه لا يتصور أن يكون ذلك حقيقياً لأن وزارة الثقافة تعرف شروط الترشيح للجائزة وهي أن يكون المرشح ذا قيمة وأدي خدمات جليلة للإسلام لا العكس.. وقال د.عبدالمنعم فؤاد عميد كلية الدراسات الإسلامية للوافدين إن هذا الترشيح ــ إن صح ــ يؤكد أن هناك أيادي خفية داخل وزارة الثقافة تتحدي القضاء والدولة.. وهو أمر لا يخدم المصلحة العليا للبلاد.. فهذا الترشيح ضد الناس وضد أصحاب الفكر المعتدل.
ويبدو أن السادة أعضاء لجنة القصة يعيشون في كوكب آخر غير الكوكب المصري الذي نعيش فيه.. ولا يعرفون عواقب الخلط بين الأمور علي هذا النحو المتعسف.. فإذا كانوا قد أباحوا لأنفسهم مثل هذا الترشيح "العجيب" فهل يمكن لهم أن يتسامحوا مع هيئة كبار العلماء بالأزهر و أية مؤسسة دينية إذا رشحت أحد الأشخاص لجائزة الابداع الأدبي مثلاً.. ناهيك عن أن يكون هذا الشخص مرفوضاً من أهل الابداع وموصوماً منهم بأنه لا يملك مؤهلات هذا الابداع وأدواته.
لو أن لجنة القصة رشحت إسلام بحيري وسيد القمني لجائزة نوبل لكان الأمر مفهوماً ومهضوماً.. فجائزة نوبل فيها فرع للأدب.. ولو لم يقبل هذا الفرع ترشيحهما سيتم تحويلهما إلي فرع آخر.. جائزة نوبل للسلام مثلاً.. فالجائزة هناك تنتظر مثل هذه النماذج التي توصف في البر الغربي بأنها "طليعية وتقدمية ورائدة".. لكنها مرفوضة هنا وبضاعتها بائرة.
إن مثل هذه الخطوة التي أقدمت عليها لجنة القصة ــ وفيها أصدقاء أعتز بهم ــ تكشف الإنشطار الثقافي والفكري "الأيدويولوجي" لدي قطاع عريض من النخبة عن التيار الثقافي الأيديولوجي الواسع في المجتمع.. ليس فقط فيما يتعلق بالنظرة إلي الدين وقضاياه وإنما ــ وهذا هو الأهم ــ فيما يتعلق بالهوية.. وقد وضع هذا القطاع نفسه في مأزق استقطابي فلا يري مقاومة الإرهاب والتطرف إلا بالمواجهة العلنية مع الدين ورموزه.. وهو ما جعل قطاعات أخري تشكك في دور الثقافة والمثقفين.. ولا تتحرج من أن تقلب "الثقافة" إلي "سخافة".