الوطن
جمال عبد الجواد
المجلس يستحق فرصة
مجلس النواب الذى بدأ بالكاد فى مباشرة أعماله، يستحق أن نمنحه فرصة بدلاً من المسارعة بإصدار الأحكام عليه. رغم الهرج والمرج الذى ساد جلسات مجلس النواب الإجرائية، فإن عمر المجلس القصير كان فيه عدد من الظواهر الإيجابية التى تستحق الوقوف أمامها بالتحليل. عشية انعقاد المجلس أشاع قادة كتلة «دعم مصر» انطباعاً بأن الأغلبية الساحقة قد دانت لهم، وأن أعمال المجلس لن تخرج بأى حال عما يتم إقراره فى دهاليز «دعم مصر». البرلمان، أى برلمان، يحتاج إلى أغلبية ما حتى يستطيع تسيير أموره، فإن لم تتكون مثل هذه الأغلبية يكون البرلمان مهدداً بالفشل وتكون حياته مهددة بالانتهاء السريع، ولا أحد يريد مثل هذا المصير لمجلس النواب الوليد. الأغلبية مطلوبة بشرط أن يتم تكوينها بشكل لا يوحى بالعودة إلى صيغة الأغلبية التلقائية المضمونة التى حرمت مصر من أى نشاط برلمانى حقيقى طوال العقود الستة السابقة، وهذا هو ما كان يقلق الكثيرين بشأن ما يحاول القائمون على «دعم مصر» القيام به، لكن ما إن بدأ المجلس فى عقد جلساته إلا وبدأت هذه المخاوف فى التبدد ولو جزئياً.

نجحت «دعم مصر» فى إنجاح مرشحها لرئاسة المجلس الدكتور على عبدالعال بسهولة. فاز الدكتور «عبدالعال» بما زاد قليلاً على ثلثى أصوات النواب، فيما ذهب ثلث الأصوات إلى مرشحين منافسين كان أبرزهما الدكتور على مصيلحى الذى فاز بأكثر من مائة صوت، وهى نتيجة تشير إلى وجود قدر لا بأس به من التنوع فى مجلس النواب الوليد، وإلى وجود أقلية يصعب تجاهل وجودها، وهى بداية جيدة.

لم ننتظر كثيراً لنرى اختباراً جديداً لطبيعة آليات العمل وعلاقات القوى داخل المجلس. كان أول قرار اتخذه رئيس المجلس بعد انتخابه هو تأجيل انتخاب وكيلى المجلس لجلسة اليوم التالى، لتواجه الدكتور «عبدالعال» عاصفة من الاعتراضات تجبره على تغيير قراره والبدء فى إجراءات انتخاب الوكيلين، بما يشير إلى أن هذا المجلس لن يكون طيعاً سهل القيادة فى يد رئاسته وهيئة مكتبه، وهى علامة أخرى طيبة ودليل آخر على أن قبضة «دعم مصر» على المجلس لن تصل إلى المستوى الذى توقعه الكثيرون الذى حاول رموز «دعم مصر» ترويجه عنها.

إخفاق «دعم مصر» فى إنجاح أحد مرشحيها لمنصب وكيل المجلس كان اختباراً جديداً ودليلاً آخر على ضعف القبضة التى حاول الائتلاف فرضها على المجلس. إخفاق النائب علاء عبدالمنعم فى مواجهة مرشح حزب الوفد سليمان وهدان قدم دليلاً آخر على أن «دعم مصر» ليست على القدر من الوحدة والتماسك الذى روَّجته عن نفسها، وأن الأقلية بين النواب قادرة على إيصال ممثل لها إلى هيئة مكتب المجلس، بما يسمح لها بالتأثير على طريقة تسيير عمل مجلس النواب خلال السنوات الخمس المقبلة.

هذه البداية ليست سيئة على الإطلاق، وأتصور أن ما أظهرته من تعددية مراكز القوة والثقل فى هذا البرلمان سوف يكون له آثار مهمة على دور مجلس النواب فى الفترة المقبلة، ولنتذكر أن أغلب النواب المنتخبين فى هذا المجلس إنما فازوا بمقاعدهم اعتماداً على جهدهم وشعبيتهم وأموالهم غير مدينين لأحد، وهو ما يجب أن يمنحهم ثقة بالنفس وتمسكاً باستقلاليتهم أكثر مما اعتدناه طوال الستين عاماً السابقة، وهو ما يمكن له أن يؤثر على دور المجلس أكثر بكثير من كل الطرائف والتعليقات التى انشغلت بها مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام تعليقاً على عمل المجلس، التى كان فيها الكثير من المبالغة والأحكام المسبقة والترصد.

بدأت أعمال المجلس بجلسة حلف اليمين الطويلة المملة، وعليها ترتبت الكثير من المشاعر والتعليقات السلبية. ورغم أن الجدل الذى أثاره النائب مرتضى منصور فى هذه الجلسة كان أكثر ما فى هذه الجلسة تسلية وإثارة، إلا أن هذا لم يكن كافياً ليشفع للمجلس فى غرف الدردشة وصفحات الفيس بوك. المؤكد أنه ليس من حق النائب تغيير منطوق القسم المنصوص عليه، وهذا ما التزم به النائب مرتضى منصور فى النهاية. ومع هذا فإن الحجة التى استخدمها مرتضى منصور والقائمة على التمييز بين مواد الدستور من ناحية، وديباجته أو مقدمته من ناحية أخرى، فيها وجاهة وتستحق مناقشة عميقة لم يلتفت لها أحد فى مناخ الترصد والبحث عن الطرائف المسيطر على وسائط التواصل الاجتماعى.

الهرجلة التى نقلتها شاشات التليفزيون التى كانت أحد الأسباب للتعليقات والمشاعر السلبية الشائعة بشأن المجلس هى أمر مفروض ومقدر على هذا المجلس. حشد ستمائة نائب فى قاعة لا تسع لأكثر من أربعمائة من النواب لا ينتج سوى الهرج والمرج. عندما يضطر بعض النواب للوقوف أو للجلوس فى شرفات الصحافة والضيوف، وعندما يضطر عضو المجلس للقفز فوق المقاعد إذا احتاج لترك مقعده لأى سبب، وعندما يجلس النواب متلاصقين لساعات طويلة، فهذا مناخ لا ينتج سوى الفوضى والعصبية التى شاهدناها على الشاشات، فلا تؤاخذوا النواب على هذا، وإنما المؤاخذة واللوم يجب أن يتجها إلى من صاغ قانوناً للانتخابات أنتج لنا كل هذا العدد من النواب.

هذا المجلس لديه فرصة ليؤدى دوراً جيداً، وعلينا أن نمنحه هذه الفرصة. الاستهزاء بمجلس النواب وتحقير شأنه ليس فى صالح التطور السياسى فى مصر، فكل نقطة يخسرها المجلس تذهب لصالح قوى تدفع فى اتجاه الانفراد بالسلطة ومصادرة السياسة، وهذا آخر ما يحتاجه هذا البلد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف