الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية -15 يناير يوم الألم والأمل
يقولون إن هناك أيام سعد.. كما أن هناك أيام حزن ودموع، فى حياة كل شعب.. ولكن أن تجتمع أيام السعد، وأيام الشقاء، فى حياة شعب واحد.. فهذا من النادر جدًا.. ولكنه حدث فى مصر.
ومن المؤكد أن شهر يناير حمل للمصريين الكثير فى أيام الشقاء.. وأرى فى مقدمتها شهر يناير 1517 عندما دخل الجيش العثمانى القاهرة غازيًا مدمرًا بقيادة سليم الأول، الذى لم يسلب مصر استقلالها فقط، بل سلبها أيضا الألوف من مهرة عمالها وأسطوات الحرف والصنايع، التى صنعت مجد الحضارة المصرية فى العصرين المملوكين، المماليك البحرية.. ثم المماليك البرجية وظلت مصر - منذ يناير 1517 - تحت البطش العثمانى أكثر من ثلاثة قرون أى إلى أن تمكن محمد على باشا من أن يحكم مصر، ويضعها من جديد على أعتاب العصر الحديث.
<< ولكن فى مصر أياما مجيدة.. ففى مثل يوم 15 يناير ولكن عام 1872، أى فى عز مجد مصر أيام الخديو إسماعيل ولد أستاذ الجيل والرجل الذى كان أول من نادى - فى العصر الحديث - أن مصر للمصريين.. وأقصد به المفكر والسياسى والأستاذ الجامعى: أحمد لطفى السيد.. إذ ولد يوم 15 يناير 1872 وكان فى مقدمة العقول الداعية للتنوير والتقدم والديمقراطية، وهو من نادى بالديمقراطية فى مصر الحديثة.. ولكنه كان أيضا أول ضحايا هذا الديمقراطية!! وتلك حكاية يمكن أن نرويها فيما بعد.
وهو الصحفى غير المسبوق.. رئيس تحرير «الجريدة» وقطب حزب الأحرار الدستوريين، وهو أول مدير للجامعة المصرية - الأهلية - التى قامت بتبرعات المصريين، وفى مقدمتهم الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل.. وصاحب المعركة الشهيرة عندما أرادت حكومة اليد الحديدية البطش بالدكتور طه حسين الذى قال إما أن يعود «العميد» وإما أترك أنا الجامعة.. وكان وزيرًا للخارجية وللمعارف - عندما كان الوزير يهز العرش - وهو الذى عرضت عليه ثورة يوليو أن يصبح أول رئيس للجمهورية فى تاريخ مصر.. ولكنه أبى ورفض.
<< وفى شهر يناير أيضا - ولكن عام 1918 - ويوم 15 يناير الذى شهد مولد لطفى السيد، ولد أيضا جمال عبدالناصر.. ومهما اختلفت أو اتفقت الآراء إلا أنه استطاع أن يغير وجه مصر فهو بطل العدالة الاجتماعية الأوحد. هو ابن موظف البريد - أى من أعماق المجتمع المصرى - الذى صعد إلى أكبر منصب فى البلاد.. بل وجلس على عرش قلوب العرب والأفارقة ومازال.. وهو رمز النضال الذى اسقط صلابة جبروت رؤساء وحكومات فى إنجلترا وفرنسا وهز عرش الطغيان فى إيران والعراق وغيرهما.
<< والغريب أيضا، أنه وفى نفس يوم 15 يناير ولكن عام 1933 أصدر أحمد حسن الزيات مجلة الرسالة، التى كانت نارًا ونورًا وشعلة للثقافة والعلم.. وكان يتلقفها كل العرب وينتظرونها على أرصفة الموانئ.. وهى المجلة «المصرية» الخالصة، غير الشامية الأصل التى علمت كل المصريين وكل العرب «علم التفكير» ومبادئ الاستقلال، وعندى بعض أعدادها الأولى، وجدتها فى مكتبة والدتى وأنا طفل دون العاشرة.
<< وفى نفس اليوم ولكن عام 1971 احتفلت مصر بإتمام السد العالى.. بعد أن احتفلت - فى يناير أيضا - ببدء العمل فيه رغم مؤامرات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.. وهو السد الذى تحاول إثيوبيا الآن هدمه من خلال سد النهضة الذى تنفذه.. ونسيت إثيوبيا ونسى العالم أن السد العالى ليس مجرد مبنى.. بل هو معنى عظيم فى تاريخ الأمة المصرية.
<< ولكن يوم 15 يناير يحمل لمصر وللمصريين الكثير من الألم والدموع.
ففى يوم 15 يناير 1951 فقدت مصر العالم المصرى الأول الدكتور على مصطفى مشرفة.. وهو أول عالم عربى يفتح آفاق العلم النووى أمام العقول العربية، والمصرية بالطبع.. ومازال موته لغزًا.. فهل قتله اليهود الصهاينة حتى لا يضع أقدامنا على بحر العلم النووى العريض؟!
<< والغريب أن فى 15 يناير عام 1957 فقدنا الفنان الكوميدى على الكسار عن 69 عامًا.. ورغم أنه لم يعرف القراءة ولا الكتابة إلا أنه كان عبقريًا وعمل فى فرقة عمالقة الفن المصرى.. وكذلك شهد يوم 15 يناير ولكن عام 2008 وفاة آخر جيل المؤرخين المصريين العظام الدكتور يونان لبيب رزق أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس والذى بكيت عليه حزنًا وأنا أنعيه فى حفل تأبينه فى دار الكتب على نيل بولاق بالقاهرة.
فما هو سر هذا اليوم «15 يناير» فى حياة مصر والمصريين.. بين الأمل.. والألم. وبين الصعود والهبوط.. وبالمناسبة فى شهر يناير أيضا ولد الخديو إسماعيل فى قصر المسافر خانة.. وهو الذى حاول أن يكمل مشروع جده محمد على للنهوض بمصر.. وتآمر عليه وعلى جده الكثيرون!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف