د. محمود خليل
لماذا نترك «الكتاب المقرر»؟!
أعلنت نقابة المعلمين المستقلة رفضها لمشروع قانون «تجريم الدروس الخصوصية»، نصاً ومحتوى، واستندت فى رفضها إلى أنه يقضى بسجن المعلم من 5 إلى 15 عاماً، وأكدت أن المواجهة الحقيقية لتلك الظاهرة السلبية تتم من خلال وضع سياسات جديدة تضمن لجميع المصريين الحق فى تعليم حقيقى متطور وديمقراطى، وفصول لا تزيد الكثافة بها عن 30 تلميذاً بالمدارس الحكومية مزودة بكافة أساليب التقنية الحديثة للتعلم. انتهى كلام «النقابة».. وهو كلام غير مقنع بالمرة، فبإمكانى أن أتفهّم الاعتراض على عقوبة سجن المدرس الذى يعطى طلابه دروساً خصوصية، لكن الحديث عن تأجيل تطبيق القانون حتى يتم توفير تعليم حقيقى ومتطور وديمقراطى، وفصول لا تزيد كثافتها على 30 تلميذاً أشبه بقول الحق الذى يراد به باطل، فليس بمقدور أحد الاختلاف مع هذا الطرح، فكلنا يريد هذا المستوى الرفيع من التعليم، وهذا العدد المحدود من التلاميذ داخل الفصول، لكننا نريد أيضاً القضاء على الدروس الخصوصية، لأنها سبب من أسباب غياب التعليم الحقيقى والمتطور والديمقراطى.
فكلنا يعلم أن الدروس الخصوصية لا تقدم تعليماً يرتقى بعقول التلاميذ، بل تقدم ما يشبه بـ«سفوف منع السقوط»، أو «أقراص الحصول على مجاميع»، فمن يلجأ إلى الدروس تلميذ لا يريد أن يُجهد عقله ولا ذهنه فى الاستذكار، ولا يجد معلماً داخل المدرسة يقوم بواجبه فى التعليم بسبب التفرغ للدروس الخصوصية، وبالتالى فالتخلص من هذا الوباء مقدمة أساسية من مقدمات الوصول إلى «التعليم الحقيقى». ثم تعال إلى حكاية التعليم المتطور، وفكّر معى فى الدور الذى تلعبه الدروس الخصوصية فى تدهور التعليم، حين تعتمد على أستاذ يتحول إلى آلة تشبه «الريكورد» تفرغ ما فى جعبتها من معلومات محفوظة من بيت إلى بيت، ومن سنتر إلى سنتر، ومن مجموعة إلى مجموعة، لينتج فى النهاية «طالب حافظ.. ومش فاهم حاجة»!. أى تطوير نرجوه للتعليم ونحن نتمسك بالعامل الرئيسى لتدهوره، والمتمثل فى الدروس الخصوصية؟!
أما الديمقراطية فهى النكتة الحقيقية فيما اشتمل عليه كلام أعضاء نقابة المعلمين المستقلة، فأى ديمقراطية تلك التى يمكن أن تتأتى من عقل معطل، وإنسان تربى على البعد عن التفكير أو التدبر فى المعلومات التى يتلقاها من المدرس الخصوصى، واعتاد التسليم لها كما هى -سواء فهمها أم لم يفهمها- ليصبّها فى ختام العام فى ورقة الإجابة، كى يحصل على الدرجات العُلا. الحجج التى تسوقها النقابة المستقلة للمعملين غير مقنعة بالمرة، بل يمكن الاستدلال بها على المستوى البائس الذى وصل إليه المسئولون عن تربية العقل المصرى بسبب الولع بالدروس الخصوصية.
من الواجب على المواطن المصرى أن ينحاز إلى فكرة تجريم الدروس الخصوصية، فالكل يعلم أن فلوس الدروس تُلقى على الأرض، وأغلب أولياء الأمور يدفعونها ويعلمون أنها بلا عائد، فالنجاح والتفوق أساسه الجد والاجتهاد، والفشل أصله نبذ «الكتاب المقرر»!. وللأسف الشديد فقد دأبنا على ترك الكتب المقررة وراء ظهورنا فأورثنا ذلك العديد من المشاكل. فى السياسة نترك الكتاب المقرر «الدستور» ونلتفت إلى غيره، وفى الدين نترك الكتاب المقرر «القرآن الكريم» ونهتم بغيره، وهو ما يحدث أيضاً فى التعليم حين يترك الأبناء الكتب المقررة، وكأننا مجتمع ارتضى ثقافة «ترك الكتاب المقرر»!.