عندما كان الدكتور على عبد العال، رئيس البرلمان فى طريقه لأول لقاء مع الزملاء الصحفيين المعتمدين لتغطية ما يجرى بالبرلمان. حرص أن يكون معه فى اللقاء الزميل أسامة هيكل وكاتب هذه السطور. باعتبارنا ـ نحن الاثنين ـ من أبناء المهنة. بل إن اعتزازنا بكوننا صحفيين يسبق أى اعتزاز آخر.
دخلنا قاعة 25 يناير بالمجلس. دهشت من العدد الضخم للزملاء والزميلات من الصحفيين الذين يتولون تغطية وقائع البرلمان. ربما لم أشاهد هذا العدد من قبل فى أى جهة مصرية. وهذا يعنى حيوية ما يتم هناك وأهميته بالنسبة لصناع الأخبار.
لاحظت التنوع بين الزملاء. يجمع بينهم أن معظمهم من الأجيال الشابة الذين يخطون خطواتهم الأولى فى مهنة هى الأجل بين كل المهن. فضلاً عن أنها مهنة الرأى الأولي. ليس فى مصر. ولكن فى الدنيا. ويكفى أن أمير الشعراء أحمد شوقى قال قبل سنوات طويلة أوشكت أن تكمل قرناً من الزمان:
لكل زمان مضى آيــــــــــة وآية هذا الزمان الصحـــــف
لخص زميلى وصديقى أسامة هيكل مشكلات زملائى من الصحفيين فى البرلمان. التى قد تعوق إمكان قيامهم بالمهام المطلوبة منهم. تتلخص فى أن الشرفة التى كانت مخصصة لهم بالقاعة الرئيسية قد تم تخصيصها للنواب. بعد أن أصبح عدد النواب أكبر من عدد المقاعد فى القاعة. مما يعوق قدرتهم على المتابعة لما يجري. وهذا حقهم وليس منحة تقدم لهم.
اشتكى الزملاء من مشاكل الإنترنت. فالصحفى فى زماننا لا يتابع الحدث ويعود إلى جريدته ليكتب. فبيده جهاز يجعل الإرسال مستمراً. وبالتالى فإن الكلمة لحظة كتابتها فى مكان الحدث يمكن أن تصل فى التو واللحظة إلى الجريدة. لكن الصحفيين اكتشفوا أن قدرة الإنترنت محدودة. وتعانى من مشكلات.
تبقى لدى بعض النواب حساسية غير مبررة من التصوير. اشتكوا من زميل من أصحاب الاحتياجات الخاصة تقدم له زميلة طعاماً. فتم التقاط صور للحظة. واعتبروا أن ذلك ما كان يجب أن يتم ولا يحدث. وإن كانوا قد تغاضوا عن الكتابة. فهم اعترضوا على الصور. ولم يدركوا أن الصورة الصحفية قد تساوى كلمات لا يمكن عدها ولا إحصاؤها. وأن الصورة أصدق من أى كلام. فضلاً عن أنها من الفنون الجميلة فى الصحافة التى ربما توقف أمامها القارئ. وقد يحتفظ بها سنوات.
أشهد أن الدكتور على عبدالعال كان متفهماً. ووعد بحل المشكلات ليتمكن الصحفيون من أداء مهمتهم التى يجب أن تكون مقدسة بالنسبة للمجلس قبل أن تكون بالنسبة لهم. وإن كان قد طلب مراعاة الوقت القصير الذى يمكن أن نحتاجه لعلاجها.
والبرلمان جديد. كتبت عنه بعد متابعات عن بعد للانتخابات: برلمان الضرورة. ولكنى عندما رأيت تفاصيل الصورة. أصبحت لديَّ الشجاعة أن أعترف بخطأ ما كتبته وأن أقول إنه برلمان الاختيار. اختيار الشعب المصري. وأن هذا البرلمان جاء نتيجة انتخابات نزيهة لم تتدخل الإدارة فيها. وأنه يعبر عن تضاريس الروح المصرية والشخصية المصرية.
يكفى أن 70% من أعضائه جدد يمارسون العمل النيابى لأول مرة. برلمان فيه ما يمكن أن يفرح، 200 من أعضائه من الشباب. بعضهم أقل من 30 سنة. و36 من الإخوة المسيحيين. وما يقترب من المائة من النساء. ومن بينهم 19 صحفياً. وهى دلالات وعلامات مبشرة. وعلينا ألا نحكم على مخاض البدايات. وربما كانت تحدث لأول مرة فى تاريخ البرلمانات.
ورغم كل ما قيل وكتب عن المال السياسى الذى أنفق فى الانتخابات. وعن شراء الأصوات والأرقام التى أعلنت ثمناً لكل صوت. إلا أننى قابلت عدداً من الشباب والشابات الذين أكدوا لى أن إنفاقهم المالى كان أقل من القليل. وأنهم لم ينفقوا أموالاً طائلة كما سمعنا وشاهدنا ورأينا. بل إن البعض منهم أقسم لى بأنه كان يستخدم التوك توك فى جولاته الانتخابية. وهو ما يقدم وجهاً آخر للصورة يجب أن نراه ونحن نلهث وراء حكايات الملايين التى أنفقت.
وأنا لم أكن أعرف الدكتور على عبد العال. ولكن الرجل ابن أسوان فى أقصى جنوب مصر رئيس جديد لبرلمان جديد. يتعاون معه وكيلان جديدان، وأمين جديد. عرفت منه أنه هو الذى وضع دستور إثيوبيا. وقد استغربت حال بلادنا. فلدينا مشكلة من الصعب وصفها مع إثيوبيا. وما دام هو الذى وضع لهم دستورهم. فكيف يبدو بعيداً عن تناول سد النهضة؟ أو ربما كان له دور لا نعرفه. وسواء كان له دوره أو لم يكن. فإن الاستعانة به فى هذا الأمر تبدو فرض عين. فلا أعتقد أن الإثيوبيين يقللون من جهد ودور من وضع لهم دستورهم. ويمكن أن يلعب الرجل دوراً فى الدبلوماسية الشعبية الغائبة. وإن تمت فهى تتم فى أضيق الحدود الممكنة.
الصورة التى ظهرت فى بعض المعالجات الصحفية للبرلمان ليست دقيقة فى تقديم ما يجرى بداخله. ولا أطالب بأى تدخل. فالصحافة لا بد أن تكون حرة، حرية مطلقة. ولا يمكن الاقتراب من هذه الحرية. وإلا فنحن نصادر قيمة أساسية من قيم المجتمع التى يجب أن نحرص عليها ونتمسك بها. كما أن المعالجات الصحفية حتى وإن جنحت إلى بعض المغالاة. لا يجب أن يغضب منها النواب. ولا أن يأخذوا موقفاً ممن قاموا بها. فالصحفى حر حرية مطلقة فى قيامه بمهمته. وإن ألزمناه ببعض الإلزامات. فيجب أن يتم ذلك فى أضيق الحدود. ولا يصبح قاعدة.
ثم إن الوصول للنغمة الصحيحة فى التناول الإعلامى سيحدث مع مرور الوقت. ومن خلال الممارسات. لكن لا بد أن يدرك أهل البرلمان أنهم فى أمس الحاجة للصحافة وللإعلام. لأنه سينقل ما يقومون به للناس. وسيخلق حواراً بينهم وبين المجتمع هم فى أمس الحاجة إليه. والمجتمع يحتاج هذا الحوار الذى يمكن أن يقيم صلة حقيقية بينهم وبين المجتمع.
المهم أن يعرف البرلمانيون الخطوة الأولى نحو بداية الطريق الطويل. والأهم أن يكونوا قادرين على إعادة الاعتبار لصورة البرلمان الحقيقى فى العقل الجمعى لكل المصريين. بعد تشويهات كثيرة طالت الصورة.